وكان للقادرية على يده انتشار كبير، كما أنها قاومت التسرب الأجنبي.
وقد حدث للقادرية ما حدث لكل الطرق في آخر القرن الماضي، فقد أصبحت جميعها تقريبا تحت رحمة المخابرات الفرنسية والضغط المتعدد الجوانب لكي تعمل وفق إرادة المحتل، كما وظفت في عدد من المناسبات عن علم أو جهل من زعمائها، ولا سيما عند حاجة الفرنسيين إلى نفوذ هذه الطرق في الصحراء حين خططوا لاكتشافها واحتلالها وربطها بمستعمراتهم الإفريقية، وتذكر المصادر الفرنسية أن مقدم القادرية في ورقلة محمد الطيب هو الذي رافق بنفسه بعثة المستكشف الفرنسي، فلامان Flumand، إلى تيديكلت، سنة ١٨٩٩، فقد أخذ المقدم محمد الطيب معه عشرين شخصا مسلحين لحماية القافلة، وهم من خدمه، وقد تعرضت البعثة إلى هجوم كبير من عرب الصحراء قاده حوالي ٧٥ شخصا، كما تذكر نفس المصادر أن محمد الطيب (وهو نائب أخيه محمد) قد اعتمد عليه الحاكم العام جول كامبون، سنة ١٨٩٥ لتمهيد تيديكلت للتأثير الفرنسي، وهذا يدل من جهة أخرى على ما لهذا الفرع القادري من نفوذ في الصحراء النائية (١). وكان المقدم محمد الطيب قد قتل في إحدى هذه المعارك، وهو كما عرفنا أخ لعدد من أولاد إبراهيم بن أحمد الشريف الذين تقاسموا بركة أبيهم وأسسوا زوايا قادرية في الجزائر وتونس.
وفي هذا الصدد يذكر الجنرال لاروك Laroque أن للقادرية عددا كبيرا من الأتباع وينصح بلاده بالاستفادة من نفوذهم، ولا سيما من زاوية عميش بقيادة الشيخ الهاشمي وزاوية الرويسات بقيادة أخيه محمد الطيب، ويقول الجنرال (سنة ١٨٧٩) إن كليهما يحتفظ بعلاقات جيدة مع الفرنسيين، وأنهما قدما لهم خدمات في الصحراء لما لهما من تأثير، ورغم أنهما لا يلعبان دورا من
(١) انظر مجلة جمعية الجزائر وشمال إفريقية، S، G، A، A، N (١٨٩٩ - ١٩٠٠). رقم ٥ - ٥، ١٢، وكان (فلامان) أستاذا في مدرسة العلوم (كلية) بالجزائر، ومتخصصا في الجغرافية، وقد أخذ معه أيضا المستشرق الإسكندر جولي A، Joly للقيام بمهمة علمية - جغرافية،