الدرجة الأولى إلأ أنهما استطاعا رد الثائرين إلى الطريق والهدوء في عدة مناسبات، ويذهب هذا الجنرال (لاروك) الذي كان المسؤول العسكري على إقليم قسنطينة، بما فيه الصحراء الشرقية، إلى أن القادرية تقف حائلا دون تسرب السنوسية من الشرق والجنوب، وفي سنة ١٨٩٤، كما يقول، جاء عدد من الطوارق إلى شيخهم، محمد الطيب، في ورقلة، يطلبون منه المساعدة على تكوين مجموعة من الغزاة للثأر من هجومات الفزانيين المدفوعين من السنوسية، والجنرال لاروك لا يتحدث فقط عن القادرية كحائل ضد السنوسية ولكن عن التجانية وبعض فروع الرحمانية أيضا، فكل هذه الطرق يجب أن تجعل منها فرنسا، في نظره، (عملاء) للاستعلامات، لأن لها مراسلات مع آلاف الأتباع في الزوايا المنتشرة من إفريقية إلى الهند، ومن ثمة تستفيد منها فرنسا في بث فكرها وحضارتها (١).
والواقع أن هناك شخصية غريبة تداخلت في الوضع بين الطرق الصوفية واستعملت إلقادرية لحساب فرنسا، ونعني بذلك الضابط ديبورتر Deporter الذي أصبح يدعى (المواطن الصحراوي) والذي عمل سنوات في صحراء الجزائر وتونس، سيما في بسكرة ووادي سوف وغرداية وتوزر وقابس وقبلى، وكان ديبورتر من مواليد فرنسا، وهو ابن أحد المستوطنين الفرنسيين في قسنطينة، وتعلم ديبورتر العربية في الوادي وتوزر حتى أصبحت كأنها لغته الأصلية، وتطوع في فرقة الرماة وعمره سبعة عشر عاما، وشارك في الحملات ضد الجزائريين في زواوة وفي الجنوب، ثم دخل مصلحة الشؤون الأهلية وتولى إدارة المكتب العربي في برج بوعريج، ثم في بسكرة، ثم في الوادي سنة ١٨٨١، ومن هناك شارك في الحملة ضد تونس واحتلالها عن طريق الجريد وتمغزة، وعمل فترة في جهاز الاستخبارات بتونس.
وأثناء عمله في الوادي وتوزر ربط علاقات (صداقة) مع الشيخ محمد الكبير بن إبراهيم، شيخ زاوية نفطة القادرية، وحصل منه على دبلوم مقدم كان
(١) روى عنه ذلك ديبون وكوبولاني، مرجع سابق، ص ٢٧٤، ٢٨٨،