للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كانت هذه السلطات استفادت من تنافس القادرية والتجانية، والوقوف ضد تقدم السنوسية، وبقاء العامة مخدرين ببركة الشيوخ، فإن هؤلاء قد استفادوا أيضا من تأكيد تأثيرهم ونشر نفوذهم واستفادوا مالا، ومنهم من استعمل المال في التعلم، حتى أنه يروى أن الشيخ الهاشمي قد علم أولاده في جامع الزيتونة واشترط أن لا يتولى بعده أمر الزاوية إلا من نال شهادة التطويع من الزيتونة، وقد عرفنا أن الشيخ عبد العزيز قد ناصر حركة الإصلاح وفتح مدرسة بزاويته القادرية، وانتهى به الأمر إلى السجن المضيق (١).

وليست كل فروع القادرية كانت على هذا النحو، فزاوية الكاف، رغم أهميتها كانت لها أدوار، وقد حكم الباحث محمد البهلي النيال على دورها الذي صادف احتلال تونس (١٨٨١) فقال إنها زاوية مشكوك فيها وفي صاحبها، إذ قيل إنها لم تؤسس إلا لأغراض سياسية عسكرية، وكان الجاسوس الفرنسي (روا) يقوم بأعمال فيها قبل احتلال تونس، ثم صار بعد احتلالها هو الكاتب العام للحكومة التونسية المحمية، وكانت له اتصالات متبادلة مع شيوخ زاوية الكاف القادرية (٢). ونحن لا نستبعد هذا الدور للزاوية، لأن المصادر الفرنسية تكثر من الإشادة بها والاعتماد عليها، ويبدو أن بعض الشيوخ كانوا إما غافلين ساذجين وإما أنانيين طماعين.

كنا أشرنا إلى علاقات القادرية (الخارجية). فهي من الطرق التي ليس لها زاوية أم في الجزائر، وتكثر المصادر الفرنسية من التركيز على هذه العلاقة الخارجية باعتبارها مصدر قلق بالنسبة إليها، فهي لا تستطيع أن تسيطر على الرأس كما تفعل مع بعض الطرق المحلية، إن الأمر بالنسبة للقادرية يتقرر في بغداد أو بيروت، وهذا يحتاج إلى أيادي كثيرة ووسائل عديدة، ثم أن هناك


(١) انظر مقالتنا عن (الشيخ عبد القادر الياجوري) في مجلة الثقافة، ١٩٩٥، والياجوري كان أحد زملاء عبد العزيز بن الهاشمي، وكان قد سجن معه واضطهد اضطهادا شديدا.
(٢) النيال، مرجع سابق، ص ٣٢٣، وقد توفي محمد المازوني سنة ١٢٩٦ (١٨٧٨) ودفن بالكاف،

<<  <  ج: ص:  >  >>