للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بتلمسان سنة ٥٩٤ هـ، وحياته حياة المنقطع للعلم والصلاح والتوحيد.

بعد الأندلس نزل أبو مدين فاس ودرس بها ثم نزل تلمسان فلم تقبل عليه أول الأمر، ثم ظهرت عليه علامات الصلاح فوجد فيها متسعا وتبجيلا، ومثل كل العلماء في تلك العصور ارتحل للحج وطلب العلم ولقاء العلماء، وقد التقى في بغداد بالشيخ عبد القادر الجيلاني، ثم رجع إلى الأندلس وحل بإشبيلية وقرطبة، وكانت بجاية عاصمة أخرى للعلم، فارتحل إليها وعزم على الإقامة بها، ولشهرته وابتعاده عن أهل السلطة، جاءته وفادة من سلطان الموحدين عندئذ، يعقوب المنصور، وطلب حضوره ليسأله، كما قيل، عن مسائل علمية، وكانت السن قد تقدمت به، وحذره أصحابه من مغبة هذا السفر السياسي المشبوه، ولكنه خالفهم وأخبرهم أن السلطان لن يراه (!) وحين اقترب من تلمسان أدركه المرض ثم الموت، ودفن بالعباد في تلمسان، حيث ضريحه الذي اتخذه البعض مزارا روحيا ودينيا ومعماريا، ورغم نسبة الكثير من الكرامات (١) إلى أبي مدين، فإنه كان قبل كل شيء عالما صالحا، وموحدا زاهدا، ومربيا ناجحا، ولأبي مدين سلسلة تربطه في التصوف بأبي القاسم الجنيد، وتبدأ من جبريل إلى محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى الإمام علي، إلى الحسن البصري إلى حبيب بن العجمي، إلى داود الطائي، إلى معروف الكرخي، إلى السري السقطي، إلى أبي القاسم الجنيد ... إلى أبي مدين، وهو الثالث عشر في هذه السلسلة، وله سلسلات أخرى بعضها يذكر فيها اسم الجنيد وبعضها لا يذكر فيها، وقد انتقلت سلسلة أبي مدين إلى تلميذه عبد السلام بن مشيش (٢).

وابن مشيش هو أحد تلاميذ أبي مدين البارزين، نشأ في المغرب الأقصى، وهو من أشراف بني عروس عند جبل عالم بتطوان، كان ابن مشيش


(١) عن كراماته انظر بعض ما جاء في ترجمته في كتاب محمد بن مريم (البستان). ط، الجزائر، ١٩٠٩، وهنالك مؤلفات عديدة تناولت حياة أبي مدين، ومن أواخرها تأليف الشيخ عبد الحليم محمود.
(٢) رين، مرجع سابق، ص ٢١٧،

<<  <  ج: ص:  >  >>