من زعماء الفكر في دولة الموحدين، وكان معاصرا ل عبد المؤمن بن علي، خليفة المهدي بن تومرت، أوصى ابن مشيش أصحابه وتلاميذه (ومنهم أبو الحسن الشاذلي) بالابتعاد عن أصحاب السلطة والسياسة والوظائف الدنيوية، وعاش هو مثالا لرأيه، ولعل ذلك كان سببا في اغتياله سنة ٦٢٥ هـ، وكانت حياته مكرسة لخدمة الدين والتصوف، وقبره في جبل عالم المذكور، وانتشر صيته في كل المغرب العربي، ويتفق معظم الباحثين على أن شهرة ابن مشيش قامت على شهرة تلميذه أبي الحسن الشاذلي فهو الذي كونه ووجهه، بل نصحه بالذهاب إلى تونس بعيدا عن مؤامرات السياسة في المغرب عندئذ، وقد اشتهر ابن مشيش بدعاء يعرف (بالصلاة المشيشية) وهي الصلاة التي أصبحت متداولة لدى كثير من المتصوفة.
ولد أبو الحسن علي الشاذلي في قبيلة غمارة قرب سبتة بالمغرب الأقصى، سنة ٥٩٣، أي سنة قبل وفاة أبي مدين، وأخذ تعاليم شيخه ابن مشيش، وهو شاب، ولم يكد يبلغ الثانية والعشرين حتى توجه إلى قرية شاذلة خارج عاصمة تونس، واختلى بها، ويقولون إنه استقر في جبل جلاس واختلى فيه، ثم اشتهر أمره وجاءه الزوار والفضوليون، ولكن السلطة السياسية كانت له بالمرصاد، وقد خافوا منه، وكان للسلطة فقهاء يوافقونها، وخشي أبو الحسن الشاذلي أن يكون مصيره هو مصير شيخه ابن مشيش، وهو الاغتيال أو الحبس، فخرج من تونس إلى مصر، ولكن خصومه سبقوه إليها وشيعوا فيها ولدى علمائها أنه ملحد، وحتى لا تقع المواجهة اختار الشاذلي المكث بعيدا، إذ بقي في كهف عند بحر الإسكندرية، وقد عانى من الفقر والوحدة، ولا نعرف متى جاء مصر، ولا متى صفا له الجو بعد عبوس، إذ أظهر كرامات، كما قيل، ودعا على قاضي تونس ابن البراء (الذي يبدو أنه وشى به لدى السلطان). وقد ذهب الشاذلي إلى القاهرة وعاش فيها، وكما أظهر كراماته للعامة أظهر أيضا علمه للخاصة، ومن الذين انتصروا له بعد أن كانوا من خصومه، حسب كتب التراجم، هو العز بن عبد السلام المعروف بسلطان العلماء والذي كان رئيس علماء مصر عندئذ، وهكذا كثر أتباع أبي