للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تريده السلطات الفرنسية، وهو تشتيت الزوايا وتفريعها وتشجيع استقلالها بعضها عن بعض حتى تظل وحدات صغيرة متنافسة.

وفي هذا الصدد أرسلت السلطات الفرنسية المستشرق الإسكندر جولي في بعثة خاصة لدى الشيخ أحمد المختار حيث بقي إلى جانبه عدة شهور، يدرس أحوال الزاوية وأتباعها وزياراتها، وعقيدتها الصوفية، وعلاقاتها، وفروعها، وخرج من ذلك بدراسة مطولة ومفصلة سماها (دراسة عن الشاذلية) (١). وكان الفرنسيون يعتقدون أنهم من خلال هذه الدراسات يعرفون أيضا أحوال المغرب الأقصى الذي تفرعت فيه الشاذلية، وكان لهم في ذلك العهد أطماع في احتلاله، كما كانوا يريدون معرفة العلاقة مع أهل الشاذلية في المشرق ليحددوا علاقاتهم مع العالم الإسلامي، أليس هذا زمن صدور (مجلة العالم الإسلامي) التي كان يديرها الضابط المتخصص في الطرق الصوفية، لوشاتلييه؟ (٢). وقد انتهى الإسكندر جولي من دراسته إلى أن الطرق الصوفية تموت تلقائيا بموت العضو الحي، إذ يعتريها الهرم والفناء، ومن رأيه أن الطريقة تعيش شبابها وكهولتها بحياة شيخها المؤسس ثم يخلفه خلف أضعف منه وأقل حماسا فتضعف الزاوية وتنكمش سمعتها عند العامة ويكثر التنافس بين الفروع، ومن ثمة تتحلل وتنتهي.

وهناك دلائل على صدق هذه النظرة، فالشيخ أحمد المختار بادر بإرسال رسالة إلى السيد (رين) على أثر وفاة والده، يخبره فيها بالوفاة، ويطلب منه أن يكون دعما له لدى السلطات، وأنه باق على سيرة والده في احترام الدولة الفرنسية، وأنه متمسك بالسيرة السابقة للزاوية، وهي المحافظة


(١) الإسكندر جولي (دراسة عن الشاذلية). الجزائر، ط، جوردان، ١٩٠٧، وقد نشرها مقالات متوالية في (المجلة الإفريقية) قبل ذلك.
(٢) انظر كتابه (الطرق الصوفية في الحجاز). ١٨٨٧، وقد صدرت مجلة العالم الإسلامي من باريس سنة ١٩٠٦، وهي تحمل عنوان (البعثة المغربية). ولعل زيارة الشيخ محمد عبده (١٩٠٣) تدخل في هذا النطاق، وغير ذلك من الفعاليات مثل انعقاد مؤتمر المستشرقين ١٤ في الجزائر (١٩٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>