للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الأمن (والعافية). وقد يبدو لنا هذا الكلام تعبيرا عن خنوع وخضوع بدون داع، ولكن الظروف التي تحدثنا عنها تجعل ذلك، فيما يبدو، أمرا بروتوكوليا، بل ضروريا، والفرونسيون لا يصدقونه على كل حال، لأن الذي يهمهم هو الفعل وليس القول، النتيجة وليس المجاملة، كان رين عندئذ (حاكم مجمع أمور عرب إيالة الجزائر) حسب تعبير الشيخ المختار، وهو الوظيف الرسمي في الحكومة العامة (المتكلف بالشؤون الأهلية). أخبره أن والده قد دفن في المسجد الذي بناه بنفسه من أجل ذلك بقصر البخارى وأنه (كان حبيبك وحبيب أهل الدولة المنصورة) وأنه أوصاه بخلافته (في جميع الأمور، وخصوصا حب الدولة الفخيمة الفرانساوية التي تمتعنا في ضلها (كذا). وعشنا في عافية تامة من قوة إحسانها، لنا ولجميع من احتمى بحمايتها، كما أوصى علينا جميع الأحباب الحاضرين بأن يبقوا على العهد والوداد، والتمسك بطريق الرشاد،) والمقصود (بالأحباب) هنا هم الإخوان، أتباع الطريقة، ولكن هذه الوصية كما سنرى لم يلتزموا بها، إذ سرعان ما تفرعت الفروع وقل الزوار عن الزاوية الأم، وختم الشيخ المختار رسالته إلى رين طالبا منه أن يظل صديقا للزاوية وأن يعمل على حمايتها حتى لا تؤذيها عناصر أخرى (واسأل من فضلك، أن تعاملنا بالإحسان، كما كنت تعامل أبينا (كذا) وتقم (كذا) مقامنا عند حكام الدولة) (١). وقد صدق (رين) عندما قال في كتابه المذكور إن أسلوب المراسلات مع المرابطين قد يفوق أسلوب المراسلات الدبلوماسية عند القناصل الأجانب: مهارة في تظليل الكلمات واختيار المعاني المحتملة،.

لقد طال عهد الشيخ أحمد المختار، ولكن الزاوية الشاذلية لم تزدد سمعة على عهده ولم تحافظ حتى على ما كانت عليه، ولعل الولد الذي ألف فيه الشيخ الموسوم كتابه هو الذي كان يعده للخلافة، ذلك أن الشيخ أحمد كان صغير السن عند وفاة أبيه ولعله لم يكن أذكى ولا أقدر أبناء الشيخ


(١) الرسالة مكتوبة في نفس اليوم الذي توفي فيه الشيخ الموسوم (٣ فيفري). وهي موجودة في (كتاب الرسائل) لبلقاسم بن سديرة، ص ٢١٨،

<<  <  ج: ص:  >  >>