للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا ينامون إلا قليلا ويقضون الليل مت عبد ين، ويكثرون من الصدقات، ويطيعون شيخهم ويطلعونه على كل كبيرة وصغيرة، وفي الجزائر قبلوا الوظائف الدينية كالإمامة والقضاء ولكنهم رفضوا الوظائف الإدارية الأخرى، وهم على كل حال ضد الفرنسيين (المسيحيين) وضد الحضارة الغربية.

وهذه الصورة تجعلهم على الحافة من السياسة والثورة، ولذلك وجدنا منهم من لم يطق حياة العزلة والهدوء إذا لم تخدم الدين، فثاروا في العهد العثماني كما ثاروا في العهد الفرنسي، ويهمنا هنا العهد الثاني، لقد ظهر منهم المنادون بالثورة والجهاد مثل موسى الدرقاوي المعاصر للأمير عبد القادر، وعبد الرحمن الطوطي (١). وغيرهما، ولكن هناك من شيوخ الدرقاوية من بقي محافظا على تعاليم الشاذلية ورفض الارتماء في الوظيفة، مثل محمد بن إبراهيم والعربي بن عطية، لقد حاول الأمير استمالة العربي بن عطية زعيم الدرقاوية في الونشريس، إلى الجهاد، ولكنه اعتذر له فقبل عذره، أو على الأقل تفهم موقفه، وقد انتهى الأمر بالشيخ ابن عطية إلى الهجرة من الجزائر والوفاة بتونس.

أما محمد بن إبراهيم فقد جاءه الحشم والحرار وأهل فليته يطلبون منه أن يكون حكما بينهم وأن يقضي في أمورهم، وذلك في وادي العابد (سيدي بلعباس). ولما أحس بالضغط ذهب معهم إلى غريس قرب معسكر، وحاول إقناعهم مدة أسبوع بالصلح والسلم، وأخبرهم أن (الحكومة لله). ولكن هذا الوعظ لم يقنع الذين يريدون زعيما وقائدا للثورة، ولما عرف أنه لا يستطيع إقناعهم بعدم تولي المسؤولية هرب ليلا وترك لهم رسالة على وسادته شارحا لهم فيها الأسباب التي جعلته لا يتدخل في السياسة والحياة الدنيا، وتذهب بعض المصادر الفرنسية إلى أن الأمير عبد القادر كان يريد خطف محمد بن إبراهيم للتأثير به على الدرقاويين، وقد ملأ هذا الفراغ عبد الرحمن الطوطي، المقدم الذي كان محمد بن إبراهيم نفسه


(١) انظر عنهما كتابنا (الحركة الوطنية الجزائرية). ج ١، ط، الجزائر/ بيروت ١٩٩٢، وعن الطوطي انظر الشقراني (القول الأوسط). تحقيق ناصر الدين سعيدوني، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ١٩٨٩،

<<  <  ج: ص:  >  >>