للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ذلك) ابتداء وبعضهم يخفي ما أكن إلى بلوغ قصده وأربه) (١). ونفس الملاحظة أبداها على زعيمين آخرين من مجتمع الحضر بقسنطينة في وقته، وهما أحمد بن باديس وابن نعمون. فقد قال إنهما إذا تواجها تحسبهما أصدقاء وإذا تدابرا يكنان البغضاء لبعضهما (وليس ذلك بدعا مما هو من الجنس الذي يلقب حضريا. فقد جبلوا على ذلك) (٢). وقد كرر الفكون ذلك الحكم على الحضر في عدة مناسبات أخرى من كتابه.

وكانت هناك عادات اجتماعية يمارسها أهل المدن وأخرى يمارسها أهل الريف. وإذا كانت عادات أهل الريف متنوعة وتقوم على توجيهات أصحاب الطرق الصوفية في أغلب الأحيان فإن عادات أهل المدن كانت موحدة وتتأثر بما كان يجري في الأندلس أو في حواضر المشرق الإسلامي. وهي تستمد أصولها من التاريخ الإسلامي والحضارة العربية بصفة عامة. وقد وصف ابن حمادوش بعض عادات مدينة الجزائر ليلة القدر وختم صحيح البخاري وغيرهما من المناسبات الدينية (٣). كما أن المفتي أحمد بن عمار قد ترك وصفا لما كان يفعله أهل مدينة الجزائر بمناسبة المولد النبوي مثل إيقاد الشموع وإنشاد التواشيح والتزين والتيطب وغيرها (من أنواع المباحات) (٤). وهناك عادات اجتماعية شاعت خلال هذا العهد وأصبح المجتمع الجزائري معروفا بها في سائر المدن , ونذكر منها حفلات الخطبة والزواج والختان وتوديع واستقبال الحجاج (٥) واستقبال الدنوش بالعاصمة واستقبال المنتصرين من الرياس والعائدين بالغنائم ونحوها (٦) وخروج الولاة وعودتهم في


(١) الفكون (منشور الهداية) مخطوط. سنتحدث عن الفكون في الفصل السادس من هذا الجزء.
(٢) نفس المصدر.
(٣) ابن حمادوش (الرحلة) مخطوط. وهي الآن محققة ومنشورة.
(٤) ابن عمار (نحلة اللبيب)، ٦٩.
(٥) عن بعض ما كان يجري للحجاج انظر رحلة الورتلاني.
(٦) انظر دراستي لقصيدة ابن ميمون في تهنئة أحد القواد في (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر) وعن الدنوش انظر الشريف الزهار (مذكرات) تحقيق أحمد توفيق المدني، الجزائر. ١٩٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>