المسيحيين وكتاب (المرآة) لحمدان خوجة وغيره وصفا لعلاقة الريف بالمدينة وامتلاك أهل المدن أراضي وضيعات ودورا خارج المدن. ولم يكن أهل الريف الجزائري مكونين من رعية ومحزن فقط بل كان هناك المستقلون أيضا مقابل دفع إتاوات للعثمانيين. فالريف الجزائري إذن كان متنوع الحكم، ولكن أقسى أنواع الحكم فيه هو المسلط على الرعية طبعا. والعلاقة هنا بين السلطة والسكان علاقة استغلالية محضة.
٣ - ولدينا شواهد كثيرة على تكوين ذوق عام في المدن الجزائرية خلال العهد العثماني، ورغم أن الوضع كان يختلف من جهة إلى أخرى، فإن الطابع الاجتماعي كان واحدا. وسيمر بنا عند الحديث عن المدن شيء من ذلك، ولكننا هنا نود أن نشير إلى انتشار ما نسميه اليوم بمرض النفاق الاجتماعي أو المجاملة وغيرها من الأوصاف اللازمة للحضارة لا للبداوة. وقد ذكر لنا عبد الكريم الفكون وصفا صارخا لحضر قسنطينة في القرن الحادي عشر وهو وصف يمكن تعميمه على أهل تلمسان وبجاية ومدينة الجزائر وغيرها. كما أن ابن المفتي وابن حمادوش قد تركا لنا وصفا آخر لحضر مديتة الجزائر في القرن الثاني عشر. وفي كتاب (البستان) لابن مريم وكتاب (كعبة الطائفين) لابن سليمان أخبار هامة عن حضر تلمسان أيضا.
ومما جاء في كتاب (منشور الهداية) للفكون وصفه لما جرى بين زعيمين من حضر قسنطينة (المفتي أحمد الغربي ونائب القاضي عبد اللطيف بن بركات). فقد قال إنه كان بينهما (ألفة الظاهر وفي الباطن مختلفان على عادة صنفهم المسمى بالحضر إذ ذاك صفة لهم لازمة بمجرى العادة لا تتخلف ولو في النادر). ومن الغريب أن هذا الكلام صادر عن زعيم آخر من حضر قسنطينة، وهو المؤلف نفسه، لأنه من عائلة مدنية ذات تاريخ حافل بالعلم والجاه الاجتماعي والروحي. وقد قال بأنه كان يعتقد أن هذه الصفة (المجاملة) قد تتخلف أحيانا عندهم ولكنه اكتشف أنها ملاصقة للحضر (فانبهر لي عموم الوصف في جميعهم إلا, أن بعضهم يعرف منه