لقد كان الشيخ محمد ظافر المدني يدير نشاطه من خلوته في (يلدر كوشك) في اسطانبول، وكان يوجه مبعوثيه إلى المغرب العربي وإلى الحجاز حيث ملتقى الحجاج، وتذهب المصادر الفرنسية إلى أنه كان يرسل (آلاف العملاء) هنا وهناك لربط مشاعر الشيوخ المستقلين الذين يديرون الطرق الصوفية القوية، وهذا هو الوقت الذي كانت فيه فرنسا تحاول أن تعيد النظر في سياستها الإسلامية ليس في الجزائر فحسب ولكن في كل العالم الإسلامي، ولذلك كانت ترى في أمثال المدنية والسنوسية طريقتين عدوتين لأنهما تتبنيان سياسة الجامعة الإسلامية ومحاربة الاستعمار الأوروبي، وبعد موت أخيه حمزة في طرابلس، أعطى الشيخ محمد ظافر المدني بركته لأبناء أخيه، واعتبرهم الفرنسيون عملاء للدولة العثمانية في إفريقية، ويقول الفرنسيون إن الوعود والعطاءات قد صدرت لكبار الناس وعلمائهم من قبل المدنية والعثمانيين، أما البسطاء فقد هددوا بنقمة الله عليهم إذا لم يتبعوا طريق المدنية والسياسة العثمانية.
أما التعاليم الدينية للطريقة المدنية فنراها في الإجازة التي حصل عليها أحد مقدميها في الجزائر، وهو الشيخ يحيى بن أحمد (١). كان الشيخ يحيى مقدما على أولاد نائل في الجنوب/ الوسط، وأعطاه الإجازة الشيخ محمد أحمد بن عبد الله المدني (المداني). وكان هذا قد أخذ الطريقة عن والده أحمد بن عبد الله التونسي الصفاقسي الذي أخذها بدوره عن الشيخ محمد ظافر بن حمزة المدني، وهذا أخذها عن الشيخ محمد العربي الدرقاوي، إلى آخر السلسلة الدرقاوية - الشاذلية التي تمتد إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وجاء في الإجازة أن والده قد أمره بتقوى الله في السر والعلانية والإحسان إلى عباد الله، وأمره بالسياحة مع الفقراء، وقال عن يحيى بن أحمد إنني:(قدمته على الطائفة المدنية) وأجزته إجازة تامة، وجعلته في ذلك نائبا عني، ثم
(١) نص الإجازة بالعربية وترجمته الفرنسية في ديبون وكوبولاني، مرجع سابق، ص ٥١٤ - ٥١٧،