للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدني قد أصبح مستشارا للسلطان عبد الحميد، وأصبحت الطريقة تتشكل حسب رغبة الشيخ المدني وطموحه السياسي وطموح السلطان في نشر فكرة الجامعة الإسلامية، وليس حسب تعاليم الشاذلية - الدرقاوية، فقد ألف محمد ظافر المدني كتابا سماه (النور الساطع) ونشره باسطانبول سنة ١٨٨٥، وطرح فيه مبادئ طريقته، فركز على تعاليم الشاذلية في التوحيد والتصوف، ولكنه، كما يقولون، أضاف إلى ذلك التعاليم الدبلوماسية والدعاية لجمع الأتباع لفكرة الجامعة الإسلامية، ويبدو أن محمد ظافر المدني كان من المتصوفين المثقفين بثقافة العصر السياسية فجمع بينها وبين التصوف وحاول أن يخدم كل منهما الآخر، في حين أن التصوف الذي يريده الفرنسيون هو التصوف الجامد غير المتجدد والسلبي غير الفعال والبعيد عن السياسة والتعصب الديني، كما يزعمون.

ولذلك أعلن أحدهم (رين) سنة ١٨٨٤ (أي قبل نشر كتاب النور الساطع) بأن المدنية طريقة متميزة بنفسها، وهي منفصلة عن الشاذلية - الدرقاوية، ولا علاقة لها بشاذلية محمد الموسوم الذي أخبر عنه (رين) بأنه كان سكونيا لا حركيا، وحياديا لا مشاركا في الأحداث الجارية على ساحة بلاده، بل قال عنه إن كان يطلب من الإخوان عدم المشاركة في الثورات بطلب من فرنسا، وقد فعل ذلك من تلقاء نفسه، شتان إذن بين فرع وفرع لطريقة واحدة، هي الشاذلية! ولكن رين يضيف جديدا عن المدنية لا يخلو من عبرة، وهو قوله إن محمد ظافر المدني قد أصبح خادما لسلطان اسطانبول وخرج عن الحياد السياسي، وهو يحاول أن يستعمل أخوانه ضد معارضي السلطان من السنوسيين والتجانيين والطيبيين والشاذليين، ثم لاحظ أن المدنية تلعب في وقته، دورا مزدوجا وخطيرا، فهي من جهة (مبيوعة) (كذا) للسلطان، وهي من جهة أخرى تخدم السنوسية، ومحتفظة في نفس الوقت باستقلالها مما يسهل مهمتها في المناورة، وكان شعار المدنية عندئذ هو (وحدة كل المسلمين لطرد المسيحيين من إفريقيا (واسيا)) (١).


(١) رين، مرجع سابق، ص ٢٤٣،

<<  <  ج: ص:  >  >>