أن الزاوية الأم لم تعد قادرة على المحافظة على تماسك أجزائها، ثم تولى مغربي آخر يدعى الحاج البشير، شؤون الزاوية، وأصبح وارثا لبركة الشيخ، ولا ندري من قدمه لهذه الوظيفة الكبيرة، غير أن العادة جرت أن يجتمع المقدمون وينتخبون واحدا من بينهم، وتذكر المصادر الفرنسية أن انتخاب الحاج البشير لم يكن محل إجماع مما أدى إلى تدخل الأمير عبد القادر لتقريب وجهات النظر وتغليب كفة الحاج البشير بطلب من السيدة خديجة أرملة علي بن عيسى، وفي إحدى المرات اضطر الحاج البشير إلى مغادرة الزاوية والتوجه إلى الأمير، فتولت السيدة خديجة مكانه نيابة عنه، مع بناتها، وعاد الأمير إلى التدخل فرجع الحاج البشير إلى الزاوية بعد الاتفاق على مشيخته، واستمر في مهمته إلى وفاته سنة ١٢٥٧ (١٨٤١). وقد دفن بجامع تالة أو غانمي بالشرفة، وإلى هذا التاريخ كانت زواوة ما تزال محررة من السيطرة الفرنسية، ولكن التنافس السياسي للقادة الزمنيين والمصالح الاقتصادية المرتبطة بأسواق المدن الواقعة في قبضة الإدارة الاستعمارية، أثرا على استقرار ونشاط الزاوية الرحمانية.
بعد الحاج البشير تولى شؤون الزاوية الشيخ محمد بن بلقاسم نايت عنان مدة سنة واحدة، ولم يكن هذا الشيخ يتمتع بسمعة ولا قدرة على القيادة، ففقد الصلة بزوايا الجنوب الرحمانية، ولذلك لم يطل عهده، وتولى بعده الحاج عمر حوالي سنة ١٢٥٩ (١٨٤٤). وتدعي بعض المصادر الفرنسية أنه كان زوجا للسيدة فاطمة (١). ومهما كان الأمر، فإنه لعب دورا في مقاومة زواوة سنة ١٨٥٧، وقد هدمت الزاوية في عهده على يد الجنرال (ديفو). واضطر الحاج عمر إلى الهجرة إلى تونس ثم إلى الحجاز
(١) نستبعد ذلك، وقد ذكره رين، ص ٤٥٨، للسبب الذي ذكرناه سابقا، ولأن الحاج عمر هاجر بزوجته، بينما للاله (السيدة) فاطمة كانت معتلقة في نواحي تابلاط وماتت في سجنها، انظر لاحقا، وقد كنت صورت ملفا كاملا عن حياة الحاج عمر من الأرشيف الفرنسي بايكس، ولكنه ضاع مني مع محفظتي في القصة المعروفة عنها، ولا نعرف عن وفاته أي تاريخ،