تحالفها الراغبون في التحالف سواء من العناصر الإسلامية أو من الأجانب، كانت القوافل التجارية تعبر شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، نحو فاس وتلمسان وتوات والهقار وفوتا والسينيغال، الخ، كلما كثر الأتباع والمقدمون كلما جاءت الزيارات والأمداد والنفوذ، وقد أصبحت عين ماضي وتماسين مركزين ثريين بالمال عن طريق التجارة وعمارة الأسواق، وكانت الزاوية هنا وهناك هي المحرك لهذه الشبكة من القوافل التي تحمل الذهب والعبيد والتبر ومختلف البضائع المتبادلة بين المغرب العربي وإفريقية في ذلك العهد، وهذه الظاهرة لم تكن تخفى على الفرنسيين ولا على الإنكليز ولا حتى الألمان عندئذ، فقد كان الفرنسيون في السينيغال يرقبون تحرك التجانية وارتباطاتها بالأمراء وقوة زواياها، وكانت مخابراتهم في الجزائر وفي السينيغال نشطة في ربط الاتصالات ومنافسة الإنكليز والاستفادة من هذه القوة (الدينية المحلية).
ويجب أن نذكر أن هذه هي فترة الحاج عمر في غرب إفريقية، وكان الحاج عمر هذا قد تأثر بالوهابيين، وتحول من القادرية إلى التجانية، وكان يحارب الفرنسيين بدون هوادة إلى أن هلك، وقمعت حركته رغم أن ابنه قد واصل جهاده، فكيف تكون التجانية محاربة لفرنسا في غرب إفريقية وموالية لها في الجزائر؟ وكيف تكون القادرية محاربة لفرنسا في الجزائر بسيف الأمير عبد القادر وساكنة في نواحي شنقيط وتمبكتو وغيرهما على يد أحمد البكاي القادري (١)؟ هل هي حالة الإسلام والمسلمين عندئذ كما هي حالة الاسلام والمسلمين اليوم بدون منطق ولا رابطة ولا رأس؟.
هز الاحتلال الفرنسي الجزائر كلها ولكن ليس في وقت واحد، لقد أسقط الاحتلال النظام المركزي ولكن أسلوب الحكم السابق جعل ردود الفعل ليست على درجة واحدة، فقد شعر البعض بالانهيار بينما شعر آخرون بالتحرر، وهم لم يعرفوا بعد معاملة الفرنسيين لهم ولا نواياهم في البقاء والاستيطان، كما أنه لم تظهر قيادة ناضجة موحدة ومسموعة الكلمة غداة الاحتلال، وكان على هذه القيادة أن تعركها التجارب ويصهرها الزمن قبل أن تصبح
(١) عن أحمد البكاي والحاج عمر انظر لاحقا - الطريقة البكائية.