للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معروقة ومسموعة الكلمة، ولكن عندما وقع ذلك كانت السلطة الفرنسية بدورها قد تجذرت وجلبت خيلها ورجلها وعزمت على استخدام كل الوسائل للهجوم والبقاء، وقد احتلت الجزائر بالمراحل، حسب درجة المقاومة، وآخر جزء من شمالها احتل سنة ١٨٥٧، أما الصحراء الشمالية فقد احتلت خلال الأربعينات والخمسينات، وكان دخول الفرنسيين عين ماضي سنة ١٨٤٤ حين داسها العقيد سانطارنو ومن معه بنعالهم وفرضوا على أهلها الضرائب الحربية، وبعد عشر سنوات (١٨٥٤) وقع احتلال تماسين، وبين ١٨٣٠ - ١٨٤٤ كانت الطريقة التجانية تعيش أحلامها، كانت تظن أنه في الإمكان البقاء على الحياد في معركة جند لها العدو كل سلاحه، وفي وقت فقدت فيه البلاد كل القيادات (١) عدا قيادة المرابطين والطرق الصوفية، حاملة البركة ووارثة الأشراف والأنبياء، أما الباقون فمخازنية يخدمون من يدفع أكثر ويهتمون ببطونهم قبل دينهم ووطنهم، أو حضريون دجنتهم المدينة وبطرهم العيش الرخي ففقدوا الشهامة والغيرة وأخلدوا إلى الراحة والسكون.

يجد الفرنسيون مبررا لكل حركة معادية للوحدة الوطنية، فقد قالوا. كما رأينا، عن الدرقاوية - الشاذلية إن موسى الدرقاوي قد خرج عن تعاليمها برفعه السلاح وإعلانه الجهاد، وأن شيخها العربي بن عطية قد نصحه بالرجوع إلى تعاليم الطريقة والتزام الحياد، وقالوا عن الرحمانيين الذين لم يؤيدوا ثورة ١٨٧١ إنهم استمعوا إلى (نصيحة) التجانية بأن الوقت لم يحن لطرد الفرنسيين وأن الله (قدر) تغلبهم على المسلمين هذه الساعة، وقالوا عن أحمد بن سالم الأغواطي إنه أجاب موسى الدرقاوي حين دعاه للجهاد، بأنه (ابن سالم) تجاني الطريقة، وأن الشيخ التجاني قد وضع التمر في فمه فأصبح بذلك ملتزما بعدم الحرب، ولكنه لا يمنع من يرغب في الانضمام إليه (الدرقاوي). ونصل الآن إلى موقف التجانية من حركة الأمير، لقد استغل الفرنسيون موقف التجانية أشنع استغلال في كل حديث لهم عن هذه الطريقة


(١) لسنا غافلين هنا عن قيادة الحاج أحمد باي، وهو ليس من المرابطين ولا الصوفيين ولا العلماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>