للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي كل الظروف، فكلما ذكروا التجانية مجدوها في دعواهم، بأنها صاحبة الموقف المعادي للأمير والمؤيد لفرنسا، وهو الموقف الذي بقي ثابتا لا يتغير إلا نادرا، فانسحب موقف التجانية من الأمير في نظر الفرنسيين، على موقفها من كل الحركة الوطنية، ولعل هذا هو أسوأ أنواع الاستغلال لحدث من الأحداث.

لا شك أن الأمير قد جس نبض التجانية منذ توليه الإمارة سنة ١٨٣٢. فقد اتصل بطرق صوفية أخرى وبشخصيات لعلها دون التجانية في المنزلة والأهمية، وقد عين خلفاءه ووزراءه ونحوهم من مختلف المرابطين ورجال الطرق الصوفية، ومن موظفي الدولة السابقة ومن العلماء، ولم يميز بين طريقة وطريقة أو بين فئة وفئة إلا بالعلم والكفاءة والالتزام للجهاد، فعين من الرحمانيين والدرقاويين والقادريين والشاذليين وراسل الشيخية، كما عرفنا، وراسل العربي بن عطية زعيم الشاذلية - الدرقاوية، ورسائل الأمير إلى هذا الشيخ تدل على احترام وتقدير كبير له، رغم تحفظ ابن عطية من الحرب، وقبل الأمير عذر الشيخية، فهل يكون قد أغفل الاتصال بالشيخ محمد الصغير التجاني في عين ماضي والحاج علي الينبوعي في تماسين؟ لا نظن ذلك (١). يقول رين: إن الأمير حاول أن يجلب التجانية إلى قيادته، منذ ١٨٣٦ (وربما قبل ذلك). ولكنه فشل، ويؤكد بيان الأمير ورسائله أنه أجرى اتصالات مع محمد الصغير التجاني قبل هجوم ١٨٣٨، وأنه لم يقم بذلك إلا عندما ثبت له خطر الاتصالات بين التجاني والفرنسيين (٢). والرسالة نفسها تشير إلى تقدير الأمير للتجاني وظنه الخير فيه لأنه من أهل الدين


(١) نعرف أن الأمير قد أرسل كاتبه محمد الخروبي في مهمة إلى تقرت، وقد رافقه في رحلته ليون روش الفرنسي، ولا ندري هل شملت تماسين أيضا، انظر عن ذلك كتاب ليون روش (اثنان وثلاثون سنة في الإسلام).
(٢) انظر رسالة الأمير إلى ممثله في المغرب الحاج الطالب بن جلون، نصها وترجمتها، نشرها جورج ايفير تحت عنوان: (عبد القادر والمغرب) في (المجلة الإفريقية). ١٩١٩، ص ٩٣ - ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>