فرنسا قد كسبت أيضا لأن حركة الجهاد ستتصدع بوجود زعيم آخر منافس للأمير، وكانت نتيجة حصار عين ماضي معروفة، وهو الحصار الذي دام حوالي ثمانية أشهر وقد انتهى بالمفاوضة وليس بالسلاح، فقد أرسل الأمير صهره وخليفته مصطفى بن التهامي، وهو من رجال الدين والعلم والأدب، أرسله إلى محمد الصغير التجاني وعرض عليه إنهاء الحرب بالصلح.
رغم الحصار الطويل فإن نهايته كانت مثالا على المعاملة الطيبة في حالة الحرب، ودرسا في الاحترام اللازم للطرفين، فلم يكن هناك انتقام ولا تمثيل أو قتل أو حرق، لا ضرورة له، كما فعل الفرنسيون مع القرى والأشخاص المقاومين، فقد عامل الأمير (المرابط) التجاني وعائلته معاملة تليق به وأعطاه الوقت الكافي ليجمع شؤونه، وكذلك أعطاه لوازم الحمل والركوب، وأخذ كل ما يريد أخذه معه، ثم أمر الأمير بانسحاب الجيش من عين ماضي استجابة لطلب التجاني، وعندما أعلن التجاني عن نيته في التوجه إلى الأغواط طلب الأمير من أهلها إعداد منزل لائق للتجاني وعائلته، ومن جهة أخرى، أهداه محمد الصغير التجانى ما قيمته ٣٠ ألف ريال (خمسة وخمسون ألف فرنك عندئذ) وملابس وعبيد وخيول، وربما كان هذا المبلغ نوعا من الضريبة الحربية، وأرسل التجاني ابنه إلى الأمير رهينة على رأس وفد من الأعيان، وهي عادة عربية قديمة في مثل هذه الظروف، وقد قبل الأمير شرط التجاني بالانسحاب إلى الأغواط مع أخذ عائلته معه وكل ما يريد، فأخذ التجاني، كما قيل، قافلة كاملة من الحاجات، وكذلك سمح له الأمير بعدة أيام جمع فيها أموره استعدادا للرحيل ووفر له ولعائلته وسائل النقل، مضيفا إليه بغلين وحصانين مجهزين غاية التجهيز، أحدهما، ليركبه الشيخ التجاني، وبطلب من التجاني ابتعد جيش الأمير إلى سيدي بوزيد شمال عين ماضي، وعندما خرج التجاني من أحد أبواب البلدة دخلها الأمير من باب آخر، وبقي فيها حوالي أسبوع، وتلقى فيها مبايعة أهلها وأهل النواحي الصحراوية، طبقا للعادة، وفي يوم ٢٦ يناير ١٨٣٩ رجع