للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ماضي (١). وقد بقيت الأمور على ذلك النحو من الانقسام وسوء التفاهم إلى سنة ١٨٩٧، سنة وفاة الشيخ أحمد التجاني وتولى أخيه البشير التجاني الذي حمل البركة أيضا (بالتقاسم) مع محمد بن محمد العيد، ويظهر أن السلطات الفرنسية كانت تستفيد من هذا الانقسام المزدوج أكثر من ذي قبل، إذ أبرزت الأحداث شخصية جديدة لعبت دورا من الدرجة الأولى، ونعني بذلك الشيخ محمد العروسي.

والشيخ محمد العروسي كان من نتاج هذه الفترة، فهو محمد بن محمد الصغير بن الحاج علي، قرأ القرآن على طالب شنقيطي اسمه محمد الطالب، ثم قرأ الفقه على قاضي قمار، الأخضر بن أحمد، والتصوف على والده (٢). وكان متعلما ذكيا، وله ولع بالعلوم والمعارف، وله طموح وتطلع إلى لعب دور قيادي، وقد ذكرنا أن والده كان شيخا لزاوية قمار، ولعل محمد العروسي يكون قد ولد لأبيه فيها، ومهما كان الأمر فقد تولى في عهد أبيه وظيفة مقدم زاوية قمار، وهو الذي جعل من هذه الزاوية محط الأنظار لرجال زاوية تماسين وعين ماضي، وكذلك لرجال السلطة الفرنسية الذين سال لعابهم لتأثير الشيخ محمد العروسي في النواحي الجنوبية بدل رؤسائه في تماسين، كما كانت الزاوية في عهده مدرسة لتدريس العلوم، على الأقل لعدد محدود من أبناء الزاوية وأصدقائها، وقد صادف وجوده على رأس الزاوية في قمار اهتمام السلطات الفرنسية بمنطقة الهقار والتعرض لتقدم السنوسية، أي فترة العشرية الأخيرة من القرن الماضي وبداية هذا القرن، وعاصر الشيخ العروسي عهدي جول كامبون وشارل جونار وشارل ليتو، الحكام العامين على التوالي في الجزائر، وتوفى سنة ١٩٢٠، وصفه ديبون وكوبولاني سنة ١٨٩٧ بأنه في الوقت الذي تعاني فيه زاوية تماسين الانقسام حول دور الشيخ محمد بن محمد العيد، أصبح الشيخ محمد العروسي هو الشخصية التي غطت على الجميع في مقره بزاوية قمار، فهو شخص له


(١) ديبون وكوبولاني، مرجع سابق، ٤٣٦.
(٢) مفتع (أضواء). مخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>