للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حمى بعض الفرنسيين سنة ١٨٧١ معتبرا ذلك موقفا إنسانيا، ورفض عبد الصمد المكافاة والتوسيم الذي عرضه عليه الفرنسيون اعترافا بالجميل، قائلا: إنه لم يقم إلا بواجبه كمسلم، ونفس القول كرره عبد الصمد يوم حضر المحكمة في قسنطينة بصفته شاهدا، فقد شكره القاضي على موقفه فرد عليه بنفس العبارة (١). وأثبت رين أن أمثال هذا المرابط كثيرون، وقد استعمل المرابطون نفوذهم لتهدئة قبائل ثائرة أو نافرة، ولإصلاح ذات البين بين المتخاصمين، وهذا النوع من المرابطين هم من يسميهم رين بالمستقلين، ومنهم مرابط زاوية شلاطة (ابن علي الشريف) التي كانت تمنع طلابها من الانخراط في الطرق الصوفية، وقد فعل الآغا الصحراوي في تيهرت نفس الشيء فازداد نفوذه على إخوانه (٢). ولذلك أوصى رين بالنسبة لهؤلاء المرابطين بضرورة مراقبتهم بصفة غير علنية، ولكن معاملتهم بالحسنى لأنهم هم الاحتياطيون الذين يعينون الفرنسيين في حالة حدوث ثورات من الطرق الصوفية.

من الملاحظات الهامة التي أبداها رين، بعد دراسة وإمعان، أن الطرق الصوفية التي تحالفت مع فرنسا فقدت حيويتها وانخفض عدد أتباعها بينما الطرق التي ظلت على عدائها أو حيادها اكتسبت أتباعا وتجددت، ولذلك نصح بعدم اتخاذ أسلوب المواجهة والانتقام ضد الطرق العدوة كهدم الزوايا واعتقال الزعماء ونفيهم لأن ذلك يخدمها ويضر بالمصلحة الفرنسية، وقال إن أكثر الطرق عداء في وقته هي الرحمانية والدرقاوية، وأكثرها ولاء هي الحنصالية والعيساوية والتجانية، وكرر القول بأن الطرق التي استفادت من


(١) يشير رين إلى أن الشيخ عبد الصمد حمى بعض الفرنسيين بعد حريق المعذر القريب من باتنة من طرف الثوار سنة ١٨٧١، انظرص ١٧.
(٢) رين، مرجع سابق، ص ١٩، قال رين إن ما فعله الصحراوي يعد نادرا في الجزائر، لأن النتيجة هي أن دائرة تيارت (تيهرت) كانت في سنة ١٨٥١ تضم ٢، ٣٢٥ من الإخوان التابعين للطرق الصوفية، أما في سنة ١٨٨٢، فلا يوجد منهم سوى ٥٧٨ إخوانيا. وهو وضع ليس له مثيل في الجزائر كلها، حسب رأيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>