الشيخ أو المرابط المعارض لفرنسا والحديث إليه بصراحة عن المشاريع الفرنسية، بلغة السلم والهدوء والتسامح، فيزول عنه التعصب ويحس أن الفرنسيين يعملون من أجل الصالح العام، وسيتحقق هذا بالاتصال بمختلف شيوخ الطرق، سواء كانت طرقا هامة أو غير هامة، والعمل على جعلها تحت الوصاية الفرنسية كما سبق (١).
وقد امتدح ديبون وكوبولاني سياسة الحاكم العام جول كامبون نحو الطرق الصوفية منذ توليه سنة ١٨٩٢، وهي السياسة التي قامت على الاحتفاظ بحرمة الشيوخ الذين بقوا بعيدين عن الفرنسيين، وكانوا بالآلاف، لأنهم كانوا يعتبرون أنفسهم ويعتبرهم أتباعهم أيضا الملجأ الوحيد لخلاص المجتمع المسلم مما حل به، وقد تحددت هذه السياسة في العناصر الآتية:
١ - إعطاء الشيوخ برنوسا أحمر لا يستطيعون رفضه، وكذلك منحهم الكلمة العليا في الدوار والقبيلة لمحاولة إخراجهم من عزلتهم وربطهم بالحياة المادية الصعبة، وهذه السياسة كان قد اتبعها بوجو منذ ١٨٤٤ حين عاملهم معاملة الحرمة الدينية الواجبة لهم، مع إظهار التسامح نحوهم، كما رأى كامبون دعوتهم لتولي السلطة تحت المظلة الفرنسية، ولكن بهدف جعلهم أصدقاء لفرنسا.
٢ - احترام إرادة الشيخ والإخوان حين يختارون مقدمهم وعدم التدخل في شؤونهم، فإذا عين الشيخ مقدميه أو انتخبهم إخوانهم فما على فرنسا إلا الموافقة لأن تدخلها بالرفض ونحوه يسبب التوتر والعداء لها، كما تسهر فرنسا على تعيين الشيوخ والخلفاء في الطرق التي يتوارث أصحابها البركة.
٣ - الموافقة على الإجازات الصادرة من الشيوخ للمقدمين والاعتراف بها، لأن ذلك يزيد في حرمتهم وثقتهم في فرنسا، وبذلك تصبح هناك هيئة دينية منتظمة واقعة تحت يد فرنسا، وجعل الشيوخ
(١) كرر ديبون وكوبولاني الوصايا السابقة بشيء من التوسع، ص ٢٨٠ - ٢٨٢، وأبرزا أفكارهما الرئيسية بحروف بارزة لفتا للأنظار وتذكيرا بالأهمية.