للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوصية الثالثة: عن طريق الطرق التي لها علاقات خارجية يمكن لفرنسا أن تربط علاقات تجارية وسياسية وحضارية، مع السودان الشرقي والغربي، بواسطة هذه الطرق تعمل فرنسا على تسريب أفكارها الحضارية إلى العالم الاسلامي كله (١). وهذا اقتراح لم يأت ضمن مقترحات وملاحظات رين بشكل صريح.

ولماذا اتباع هذا الأسلوب في التعامل مع الطرق الصوفية؟ لأن مكافحة هذه الطرق واضطهاد قادتها وإخضاعهم بالقوة قد دلت التجارب على فشله، ذلك أن الإسلام واحد، وإن القوة لم تعد هي الوسيلة في القضاء على الطرق بعد أن مر على الاحتلال عشرات السنين، ولا شك أن الطريقة الصوفية ستجد لها مكانا آخر وظروفا أخرى مناسبة لو استعملت فرنسا القوة ضدها، وسيصبح زعماؤها شهداء، وسيزداد (التعصب) عند أتباع الزوايا، فالتسامح إذن هو الحل إلى أن تصل فرنسا إلى مشاعر وقلوب الإخوان، فيتنورون ويستيقظون ويتركون التعصب من تلقاء أنفسهم، وحينئذ تتفتت الطريقة الصوفية وتتلاشى، وبذلك يحصل الهدف الفرنسي البعيد، وقد استعمل الحكام المسلمون سابقا هذا الأسلوب في التعامل، حسب الاستنتاج الفرنسي، فتسامحوا مع المقدمين والأتباع، وأظهروا لهم اللين، ودخل بعض حكام المسلمين في الطرق الصوفية، إلى أنا (تسربوا) إلى قلوب أهلها، ودخلوا إلى قلب هذه (الجمعيات السرية) الغامضة، وقربوا الشيوخ منهم. وهذا يصدق على حكام الجزائر أيضا مثل صالح باي، وبعض السلاطين العثمانيين، وباشا مصر (٢)، فلماذا لا تسلك فرنسا نفس السياسة فتحصل على النتائج المرجوة والهدف المنشود، دون عناء كبير، يجب إذن الذهاب أمام


(١) ديبون وكوبولاني، مرجع سابق، المقدمة.
(٢) كان سلاطين المغرب أيضا يقربون شيوخ الزوايا والطرق الصوفية إليهم، وكان بعضهم، مثل السلطان سليمان، قد دخل في عدة طرق، ومنها التجانية والدرقاوية والناصرية والطيبية الخ. وما ترحيبه بالشيخ أحمد التجاني، بعد اضطهاد العثمانيين له في الجزائر إلا جزءا من هذه السياسة.

<<  <  ج: ص:  >  >>