للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محاولات غير ناجحة لإعطاء الأمان لبو عمامة، وافتخر كامبون بأنه قد أنجز مشروعا كبيرا لفرنسا في الصحراء بهذه السياسة (١). وكيف لا، وقد مهد له الطريق زعماء الطيبية والشيخية والتجانية وبعض فروع القادرية - كلهم تجندوا لهذا الغرض - وأصبحت الطرق الصوفية المخيفة أدوات طيعة في خدمة الإدارة الفرنسية، وقد تحدثنا عن (الميعادات) التي كانت تتوالى من بلاد الطوارق إلى الجزائر عن طريق الزاوية التجانية بقمار، منذ ١٨٩٢، وتحدثنا عن المقدمين المرافقين للمستكشفين الفرنسيين منذ دو فيرييه، بل منذ بعثة إسماعيل بو ضربة سنة ١٨٥٨ إلى غات، والرسائل الإخوانية التي تعتبر الجاسوس الفرنسي أخا (خونيا) في الطريقة الصوفية، كما أشرنا إلى الظلال التي سلطت على مغامرة اليزابيت ايبرهارت أول هذا القرن، في نواحي وادي سوف وبو سعادة والعين الصفراء ومحاولة تورطها في التنافس بين التجانية والقادرية.

وآخر صيحة أرسلها ديبون وكوبولاني، بعد إبداء رأيهما المتناقض في عدد من المرات، هي وضع برنامج لمواجهة هذه الجمعيات السرية كثيرة الأتباع، وكثيرة العلاقات، إنه برنامج يجب أن تأخذ به فرنسا زمام الموقف من القوة الوحيدة التي بقيت لدى الأهالي، وهي الطرق الصوفية، إنه برنامج يحولها عن وجهتها العدائة وتسخيرها لخدمة المصالح الفرنسية، وهذه العلاقة ستكون مؤقتة فقط، ففي اليوم الذي يمكن لفرنسا أن تعارضها فيه بقوة أخرى، ستتخلى عنها، وهذه القوة (الثالثة) ستكون أكثر تنورا وأكثر تمدنا، وقد تكون هي النخبة الناشئة، وقد تكون طريقة صوفية عصرية، وقد تكون هي جمعية العلماء التالية، وعندئذ فقط تستغني فرنسا عن دور الطرق الصوفية وتواصل تفتيتها حتى تتلاشى (٢).

وعند هذه النقطة بدأ الاسكندر جولي بحوثه مع زملائه، فبعد حوالي


(١) ديبون وكوبولاني، مرجع سابق، ص ٢٦٥ - ٢٦٧، وكذلك جول كامبون (حكومة الجزائر) الجزائر، ١٩١٨، وآجرون (الجزائريون المسلمون) ١/ ٥١٣، وكلنسي - سميث (ثائر وقديس)، ١٩٩٤.
(٢) ديبون وكوبولاني، مرجع سابق، المقدمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>