للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الشمالية) والدرقاوية، رغم أنهما طريقتان أقرب إلى التقشف منها إلى الحياة الرغدة، وقالوا لماذا لم ينضم الفلاح إلى الطرق (الارستقراطية) مثل التجانية والطيبية. ولكن الذي تفطن إلى اتباع أسلوب جديد نحو هذه الطرق هو جول كامبون، فقد رأى أن يقترب من الطرق المصنفة (عدوة) ويستميل رؤساءها، وهكذا استمال زعيم أولاد سيدي الشيخ وتفاوض مع بو عمامة (وهو منهم). وعرض الوظائف عليهم، ولا سيما الدرقاوية والرحمانية، وأذن لزعيم الطيبية بزيارة أتباعه في الجزائر، وسلم إلى رؤساء هذه الطرق وغيرها برانيس وأوسمة، وأقام لمن مات منهم احتفالات التأبين (التجاني، القاسمي ...). وكان هدف كامبون هو توظيف نفوذ الطرق الصوفية في خدمة المصالح الفرنسية في الصحراء، ومن أجل ذلك لجأ أيضا إلى الحصول على فتوى من علماء المسلمين (سنة ١٨٩٥) شبيهة بالفتوى التي حصل عليها روش قبل ذلك (١). ومع ذلك أيد كامبون غلق الزوايا التابعة للطريقة الدرقاوية (٢).

وقد سار الحاكمان العامان شارل جونار (١٩٠٣ - ١٩١٢) وشارل ليطو (١٩١٢ - ١٩١٨) على سياسة مشابهة نحو الطرق الصوفية، ورأينا كيف استخدمت الإدارة نفوذ هذه الطرق خلال الحرب العالمية ضد الدعوة إلى الجهاد التي صدرت عن شيخ الإسلام بإسطانبول، ورغم بداية الضعف الذي اعترى الطرق الصوفية فإن الإدارة استمرت في توظيف نفوذها إلى الحرب العالمية الثانية، وسترد عليك أمثلة على ذلك.

لم تستنفد الطرق الصوفية كل طاقتها عشية الحرب الأولى، كما قال الاسكندر جولي، فقد رأيناها قد ساهمت في تهدئة السكان خلال هذه الحرب، ثم ان دورها لم ينته مع الاحتفال المئوي، كما قال أوغسطين بيرك،


(١) استعمل كامبون الصحفي الشهير في وقته، جيرفي كورتيلمونت، الذي تنكر وذهب مع أحد المسلمين الجزائريين (اسمه الحاج اكلي) إلى مكة، وحصل على مرغوبه، وهو تثبيط الهجرة من الجزائر وتسهيل سياسة فرنسا في الصحراء، انظر بحثنا (فرنسيان في الحجاز) في مجلة (المنهل). غشت، ١٩٩٦.
(٢) آجر ون، (الجزائريون) ١/ ٥١٤ - ٥١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>