الماضي، وكان من المساعدين في الترجمة لكل من ديبون وكوبولاني أثناء تحرير كتابهما سنة ١٨٩٧. ولا شك أنه أقر توصياتهما لأن الكتاب نشرته الحكومة العامة وتبنت كثيرا مما جاء فيه. ومبدأ توازن القوى يفرض على الإدارة أن لا تقضي تماما على الطرق الصوفية وأن لا تعطى لخصومهم كل التسهيلات، بل لا بد من جعلهم في درجة واحدة أو جعلهم يتبادلون القوة والضعف دواليك. وقد ظهر من انتخاب المجلس الإداري الأول والثاني لجمعية العلماء أن العناصر الإصلاحية هي المتحكمة وأن العناصر الطرقية كانت في المركز الأضعف، ولعل الإدارة كانت تريد العكس، لأن وجود عناصر من العلماء الدارسين في الشرق أو الزيتونة يزعج الإدارة، ويصعب من تشديد قبضتها على الجمعية، ولذلك لم يدم تفاهم المصلحين والطرقيين إلا حوالي سنة، ففي ١٩٣٢ انفصل أصحاب الاتجاه الطرقي وكونوا (جمعية علماء السنة) التي تقمصت مبادئهم، وهذا الانقسام كان يحقق أيضا أهداف الإدارة من الطرق الصوفية ومن المصلحين معا، لأن خلق التنافس والصراعات عادة قديمة وأسلوب ناجح مارسه الفرنسيون طيلة عهدهم، وبه تحكموا في رقاب الجزائريين.
وإذا كانت مسيرة (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) مدروسة ومعروفة سواء في عهد ابن باديس أو عهد الإبراهيمي، فإن مسيرة نقيضتها (جمعية علماء السنة) والجمعيات الأخرى المشابهة غير معروفة. ذلك أن الإدارة الفرنسية رأت أن الجمعية الأخيرة وليد ضعيف بالأسلوب الذي وقع به الانفصال وبالشخصيات التي تبنت هذا الاتجاه والوسائل المختارة والأهداف المرسومة، فلم تعش جمعية علماء السنة إلا عاما أو بعض العام، وقد حاولت هذه الجمعية أن تقلد نشاط المصلحين، فأنشأت جريدة (الإخلاص) وفتحت ناديا، وأعلنت أنها تعمل من أجل (الإسلام الجزائري) الذي سماه أوغسطين بيرك الإسلام المنغلق على نفسه، ويمكن القول إن جمعية علماء السنة هي (رابطة الطرق الصوفية) بأسلوب عصري، ذلك أن فرنسا كانت تخشى تجمعهم في الماضي ولم تحاول أبدا من جهتها تكوين رابطة أو ناد