الباحثون مستقبلا عن أصول القادة والمناضلين البارزين فسيجدون منهم من كان له تاريخ طويل في النضال داخل الطرق الصوفية والحركة الدينية عموما، ولا ننسى أن بعض أصحاب الطرق قد اختار الهجرة، وهو موضوع لم نتناوله هنا، سيما من زواوة ومن تلمسان، كما هاجرت عائلات مرابطة إلى المغرب الأقصى من جهة معسكر.
والتصنيف الفرنسي لدور الطرق الصوفية يصدق أحيانا إذا قيس بموجة الاحتلال نفسها، فهي قوية عاتية بين ١٨٣٠ - ١٨٦٠، ثم تأتي مرحلة المملكة العربية ١٨٦٠ - ١٨٧٠، حين تضاءل دور كبار الأعيان وحكام الخيام الكبيرة، ثم عادت قوة الاحتلال كأشد ما تكون بعد ثورة ١٨٧١ فضربت الجزائر في العمق، وتلا ذلك قوانين جائرة وتغييرات في البنية الاجتماعية، فكان رجال الزوايا والمرابطين والطرق هم الملجأ الآمن للناس، وكان صوتهم يمثله الشاعر الشعبي والمداح. ولكن ابتداء من فاتح هذا القرن غير الفرنسيون من تعاملهم وأخذوا في نشر التعليم بلغتهم وتقديم النخبة المتفرنسة، وتشجيع العلماء الرسميين على إعطاء الدروس العامة، ونشرت بعض الآثار والمخطوطات والصحف وفتحت النوادي، كل ذلك كان على أيدي الفرنسيين أنفسهم أو بتشجيع وإيعاز منهم، فإذا الطرق الصوفية تظهر وكأنها تخلفت عن الركب، وعندما ظهرت الحركة الإصلاحية في العشرينات والثلاثينات حاولت فرنسا بعث الحياة في الطرق الصوفية لتوازن بها (المتطرفين) دعاة الوهابية والعروبة والإسلام السلفي، حسب الدعوة الفرنسية، وقد رأينا أنه كان للطرق الصوفية والزوايا دور هام في حركة التعليم.