وقال إن الشيخ سعيد بن زكري (مدرس وإمام ومفتي) قد أيده فيما ذهب إليه (١).
ولكننا لن نتتبع هنا كل الأدبيات المتعلقة بهذا الموضوع، فهي في الحقيقة تحتاج إلى معالجة منفصلة وهادئة في إطارها الحقيقي من تطور المجتمع الجزائري. وغرضنا الآن هو معرفة كيف انتهى مصير الطرق الصوفية. إنها لم تنته كما توقع الفرنسيون، ولم تتلاش، رغم الأدبيات التي صدرت ضدها، ورغم تطور المجتمع وظهور الحركات السياسية والإصلاحية وانتشار التعليم والوعي العام، ولكنها لم تبق كما كانت تخيف السلطة وتجند آلاف الجماهير، ونحن وإن كنا ننتهي بهذه الدراسة إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية فإننا نشير إلى أن ثورة نوفمبر قد جندت آلاف الإخوان الذين كانوا سابقا احتياطيين في الطرق الصوفية، وأن هذه الطرق في جملتها قد رأت في مجاهدي ١٩٥٤، صورة لمجاهدي القرن الماضي الذين قدمتهم فداء لتحرير الدين والوطن، وإذا أخذنا بنظرية الدورة التاريخية لابن خلدون والتي طبقها أوغسطين بيرك على الحركات الدينية في الجزائر، فإنه يمكن القول بأن ثورة ١٩٥٤ كانت إحدى الدورات - بعد الطرق الصوفية ثم جمعية العلماء - وإن الحركة الإسلامية التي ظهرت أخيرا ما هي إلا حلقة أخرى في هذه الدورة التاريخية، وقد رأينا في السنوات الأخيرة أيضا كيف انبعثت الطرق الصوفية من مرقدها نتيجة الضغط السياسي والانحراف الاجتماعي، لكن يجب ألا نضع كل الطرق الصوفية والمرابطين في كيس واحد، إن أصلها متشابه وممارساتها تكاد تكون واحدة، وأساليبها متقاربة، ولكن أهدافها ومواقفها ووسائلها قد اختلفت باختلاف رجالها وظروفهم، فمن الطرق الصوفية ما كافح بشتى الوسائل وكذلك المرابطون، ولكن الموجة كانت أعتى منهم، وقد ظلوا منطوين على أنفسهم ومخلصين لتراثهم النضالي فربوا جيلا على ذلك فكانوا الشرارة للثورة التي عرفتها الجزائر. وإذا بحث