للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأمر المسجد من صلاة وعبادة وفتوى وخطبة وحزب وأذان وجنائز وقراءة القرآن على الموتى، وما إلى ذلك.

وهناك (المدرس) الذي احتفظ بلقب Mouderres حتى في الأدبيات الفرنسية، وهو ناشر العلم، وهو المعلم في المدارس والمساجد، وهو موظف رسمي أيضا، يعين بقرار حكومي، كرجل من رجال الديانة، ولكن المدارس قضى عليها الفرنسيون بالهدم ونحوه، فلم يبق إلا مدرسو المساجد (عدا مدرسي المدارس الرسمية الثلاث). وكان المدرس حرا في درسه يختار مادته كما يشاء، ولكن في العهد الفرنسي أصبح المدرس لا يدرس إلا أبوابا معينة من الفقه، والتوحيد، وأصبحت دروسه للعامة فقط وليست للطلبة والعلماء كما كان الحال في السابق، وبعد تنظيم دروس المساجد أوائل هذا القرن سمح للمدرسين أن يدرسوا مواد أخرى محددة كالنحو والصرف، ولكن للمترشحين للمدارس الفرنسية فقط وفي مراكز محددة، وغالبا ما كانت خارج المساجد، وألحق المدرسون حوالي سنة ١٩١٠ بسلك المعلمين وأخرجوا تماما عن السلك الديني.

أما القضاء فقد أصبح وظيفا مستقلا عن الديانة والتدريس، لقد أصبح وظيفا سياسيا بكل معنى الكلمة، وكان القضاة قد بدأوا يمارسون نشاطهم الجديد في ظل المكاتب العربية، وهي مؤسسات عسكرية لإدارة شؤون الجزائريين في مختلف أنحاء المدن والقرى، كان القاضي تابعا ذليلا للعقيد الفرنسي الذي يترأس المكتب العربي. وكان القاضي مبغوضا في نظر المواطنين لأنه تابع لهؤلاء الحكام المستبدين ومنفذ لتعليماتهم، وكان هو تحت ضغط الحاجة والضمير والدين، بالإضافة إلى ضغط الفرنسيين الذين يشكون في نزاهة أحكامه وفي قدرته ويحيطونه بجهاز من الرقابة والتحقيق، ولذلك هاجر عدد من القضاة بعد أن تخلوا عن هذه المهنة الخطرة في تلك الظروف، وكان أجدادهم يعتذرون عنها حتى عندما كانوا مستقلين فيها لأنهم يعرفون أن معظم القضاة في النار، وأنها مهنة تورث أصحابها الهلاك وسوء المصير.

<<  <  ج: ص:  >  >>