للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تختار الجماعة الإمام، وكانت الإمامة وراثية في بعض العائلات الدينية، رغم وجود متعلم أفضل من الوارث، والمرابطون هم الذين يختارون الإمام سواء منهم أو من خارجهم، وإذا كان وارث منصب الإمام رجلا أميا بالميلاد فإن الجماعة هي التي تختار مرابطا متعلما ليتولى الإمامة.

وفي مقابل الوظائف المذكورة يتلقى الإمام من القرية مبلغا ماليا، وله الحق في السكنى إذا كان غريبا عن القرية، وله الحق أيضا في الحطب للتدفئة، والماء الذي يكفيه لعائلته، ومن واجبهم أيضا تقديم بعض الهدايا إليه من قمح وشعير وتين وزيت، كل حسب طاقته، وللإمام المعلم فوائد إضافية، وهو يتمتع بالحصانة والاحترام (١).

ومن المفهوم أن التوظيف الرسمي، وتقاضي الأجور من الإدارة الفرنسية، ثم هذه التبعية الناعمة لرجال الدين (الفقهاء/ العلماء) هي التي جعلتهم لا يقنعون مواطنيهم بنزاهتهم وخدمتهم للدين، وسيتأكد الفرنسيون من أن سياستهم تلك قد أدت إلى تخلي المسلمين عن الهيئة الدينية الرسمية والاتجاه نحو المرابطين المقاومين في البداية ثم نحو الطرق الصوفية كبدائل لرجال الدين، فقد كان علماء الإسلام يعتبرون حراس الدين وحماته و (مصابيح الظلام) وأهل العلم والحكمة، أما في العهد المدروس فقد أصبحوا أدوات في يد السلطة الفرنسية تقؤلهم ما تشاء وينطقون باسمها ما تريد، ولم يكن يشاطرهم في سمعتهم ومكانتهم سوى رجال التصوف والمرابطين، وقد أدى تعاون فرنسا ورجال الدين الرسميين إلى ابتعاد الناس عنهم، وهكذا بقيت (الهيئة الدينية) بدون نفوذ ولا تأثير، وكان دورها يقتصر على إقامة الصلوات الخمس وأداء الجمعة والأعياد، دون أن ينسوا أنهم موظفون رسميون ماجورون من قبل الإدارة الفرنسية.

ولعل أول وثيقة صدرت عن رجال الدين بالمعنى الذي نقصده، وقبل أن تتبلور الأمور، هي النداء الذي صدر عن القاضيين والمفتيين سنة ١٨٣٠ -


(١) هانوتو ولوتورنو (بلاد القبائل). ١/ ٣٦ - ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>