للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبق له شيء يعيش منه وليس له حرفة، وله إخوة ووالدة الخ، وطلب منه أن (يتصدق عليه) بما تجود به يده (١). وقد اشتكى شيخ آخر عمره ٨٧ سنة، وكان من (أعيان الجزائر وأشرافها)، بأن الحياة ضاقت به، وأصبح مقعدا في فراشه، فعجز عن النفقة على عياله وأولاده، وكان قبل ذلك قد عمل كاتبا لأهل المخزن وخوجة في البلدية، وكاتب ضبط في المحكمة، ثم أصبح من حضور الجامع الكبير بالعاصمة، فهو حينئذ من المتعلمين والكتبة، ومع ذلك طلب من الحاكم العام أن يخصص له شيئا من أوقاف مكة والمدينة ليعيش منه في الأيام القليلة التي بقيت له (٢).

وفي مراسلات رجال الدين مع السلطات الفرنسية إشارات عديدة إلى هجرة العلماء والقضاة، وكان استعمال الحج أحيانا ذريعة للهجرة الدائمة، ثم إن الهجرة قد تكون للمغرب الأقصى أو المشرق، وسنتحدث عن هجرة القضاء في الفقرة الخاصة بهم، كما أننا تحدثنا عن هجرة المرابطين والعلماء الأحرار في فصول أخرى، أما هنا فيعنينا هجرة من تولوا الوظائف الدينية نتيجة للفقر أو المضايقات، فنحن نجد في مراسلات المفتي مصطفى القديري الذي تولى سنة ١٨٤٣، اسم الطيب بن بلقاسم، الحزاب بالجامع الكبير، وكان هذا يريد السفر إلى الحج، وطلب المفتي ملء مكانه، وفي مراسلة المفتي حميدة العمالي إشارة إلى اسم محمد بن الطاهر، الحزاب أيضا في جامع سيدي رمضان، وقد ذهب إلى الحج، وفيها أيضا أن السيد حسن بوقندورة قد ذهب إلى الشام، وكذلك قدور بن مرابط الذي توجه أيضا إلى الشام باهله (٣). وكان قبل ذلك يشغل وظيفة حضور (قارئ صحيح البخاري) بالجامع الكبير، ومن جهة أخرى، نجد أن السيد مصطفى بن يوسف قد هاجر إلى المغرب الأقصى بعد أن كان حزابا في جامع سيدي رمضان.


(١) نفس المصدر، ص ٢٧٨، وتاريخ الرسالة ٨ يوليو، ٨٦٨ ١ من مدينة معسكر (أم العساكر).
(٢) بلقاسم بن سديرة، مرجع سابق، ص ٢٦٠.
(٣) عن دور عائلة ابن مرابط في الشام انظر فصل في المغارب والمشارق.

<<  <  ج: ص:  >  >>