للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت هجرة العلماء من الجزائر على أنواع وهي ترجع إلى أسباب مختلفة، ويهمنا منها هنا رفض العلماء تقبل الحكم الفرنسي وسيطرة إدارة أجنبية (مسيحية) على المسلمين، وبدأت هذه الهجرة داخليا فقط أي الهروب من العاصمة والمدن الساحلية الأخرى (وهران، عنابة، بجاية، مستغانم ...) إلى مناطق داخلية حتى لا يخضع المسلم لحكم الفرنسيين (المسيحيين). وحين توسع الاحتلال أخذت الهجرة تتجه نحو الخارج، سيما المغرب وتونس، ومنهما أحيانا إلى المشرق، وقد تطورت حركة الهجرة عبر سنوات الاحتلال واختلفت أسبابها، فمن ذلك فشل الثورات في زواوة والأوراس والجنوب خلال الخمسينات والستينات والسبعينات، فقد هاجر بسبب ذلك عدد من العلماء، سيما إلى تونس والشام، وكانت آخر موجات الهجرة هي التي دفع إليها التجنيد الإجباري ابتداء من فاتح هذا القرن.

وقد دارت مناقشات ساخنة بين العلماء حول مشروعية الهجرة، فأفتى بعضهم مثل قدور بن رويلة وعلي بن الحفاف بضرورة الهجرة من الجزائر ما دام العدو قد تغلب عليها، وأفتى آخرون بضرورة البقاء محافظة على الدين وتعليم العامة ما دام العدو قد ترك المسلمين يتعبدون ويقيمون شعائرهم الدينية، ومن هؤلاء مصطفى الكبابطي ومحمد بن الشاهد، وأدى خلاف العلماء حول هذا الموضوع إلى مضاعفات أخرى، فقد فكر الأمير، على إثر هزيمة الزمالة وتغلب العدو على جميع مدنه وأمواله وأسلحته، أن يدعو الجزائريين إلى الهجرة الجماعية، كما أن المارشال بوجو قد أحس بذلك فأرسل سنة ١٨٤٢ الضابط الجاسوس اليون روش) في مهمة لدى مراكز الفتوى في العالم الإسلامي، وحرر صيغة الفتوى، كما تقول المصادر الفرنسية، الشيخ محمد التجاني وبعض المقدمين عن الطرق الصوفية الأخرى، منهم مقدم الطيبية (١). ومحتواها أن المسلمين إذا تغلب الكافر على


(١) لا ندري من هو محمد التجاني المذكور في (مجلة العالم الإسلامي) R.M.M. فيفري - مارس ١٩١٢، ص ٨٢، فهل هو محمد الصغير التجاني شيخ زاوية عين ماضي عندئذ؟. وفي الصيغة بعض الغموض إذ تقول الجملة إن الذي حرر الفتوى =

<<  <  ج: ص:  >  >>