للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعقدة ويحضره كبراؤهم، وكان على العموم مجلسا محترما، لأن الذين يحضرونه هم خيرة المتعلمين وأن القضايا فيه معظمها تهم الصالح العام، وكان اجتماع العلماء في هذا المجلس فرصة لتبادل الآراء والمناظرة والرجوع إلى الكتب والنوازل، غير أن السلطات الفرنسية جمدت هذا المجلس فلم يعد يعقد إلا برخصة منها في السنوات الأولى، ثم انتهى دوره بالتدرج، ويبدو أن ذلك راجع إلى أن الإدارة نفسها هي التي أصبحت تجد الحلول للقضايا المعلقة بالطريقة التي تناسبها هي، كما أن وجود مجلس من رجال الدين المسلمين على ذلك النحو لم يكن ليخدم مصالحها، وقد تكون رأت فيه خطرا على هذه المصالح، وسنرى أن الاهتمام قد انصب منذ الخمسينات على جانب القضاء، فتأسس عندئذ المجلس الفقهي، ثم المجلس الشرعي الأعلى، وكلها تعني انتهاء دور المجلس العلمي الأسبوعي الذي كان الهيئة العليا في تطبيق الشريعة الإسلامية.

وآخر ما وجدنا لهذا المجلس من أدوار كان لا يشرف الإدارة ولا أصحابه، ففي سنة ١٨٥٢ تدخلت السلطات الفرنسية لتحسم خلافا وقع بين المفتي المالكي والمفتي الحنفي أدى إلى تبادل الإهانات، حسب بعض الوثائق، كان مفتي الحنفية، محمد بن مصطفى قد (أساء الأدب، حسب التعبير الرسمي، أمام المفتي المالكي، مصطفى القديري، فكتبت السلطات الفرنسية، باسم والي (بريفي) الجزائر نفسه، توبخ المفتي الحنفي وتحذره من العواقب إذا لم يعتذر علنا أمام أعضاء المجلس لزميله، ولكن المفتي الحنفي لم يعتذر رغم أن رسالة الإدارة قرئت علنا في المجلس وفهمها المفتي، فعادت الإدارة إلى التدخل خشية أن يعني سكوتها أو حيادها الضعف، فامهلت المفتي الحنفي بعض الوقت حتى يرجع عن (صممه)، حسب التعبير الرسمي، وأخبروه أن المهلة تصبح ضعفا إذا لم يؤدبوه ويعاقبوه على فعله و (عدم إنصاتك لأمرنا). وقد طلبت الإدارة من المفتي المالكي أن يخبرها رسميا باعتذار زميله إليه (بحضرة المجلس) و (المسامحة) لفظا ومعنى) (١).


(١) الرسالة في أرشيف ايكس (فرنسا)، ٢٢ I ١، وهي صادرة عن والي الجزائر، المكتب =

<<  <  ج: ص:  >  >>