للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن أئمة المساجد كانوا معينين من قبل السلطة دون منحهم راتبا منها، ولم يكن دور السلك الديني في هذا العهد القيام بأي عمل فيه مصلحة عامة للمسلمي، كالتدريس على نطاق واسع، أو حث الناس على العمل في مشاريع تفيدهم، أو نقد الأوضاع العامة في ضوء القيم الإسلامية، أو الدعوة إلى الآداب والأخلاق الإسلامية، أو تناول التاريخ والتراث.

إن الموضوعات التي يتناولها خطباء المساجد كانت مقننة ومبرمجة مقدما، وهي تصدر عن إدارة الشؤون الأهلية، ولا حرية للمبادرة فيها من أي خطيب، فهي خطب مكتوبة من قبل المستشرقين الفرنسيين مكرسة فقط للتنويم والتخدير، وليس فيها إلا الحديث عن الآخرة والموت والخضوع لأولي الأمر (؟) وما إلى ذلك، أما شؤون الدنيا من تقدم وتضامن اجتماعي وعمل صالح وعلم نافع، فلا مكان فيه في خطب الأئمة الرسميين، وأذكر أن خطيب بلدتنا كان يخرج، بعد صعوده على المنبر، ورقة صفراء مكتوبة على الجهتين ومطوية على أربع، طولا وعرضا، فكان يقرأ من وجهها الخطبة الأولى ومن ظهرها الخطبة الثانية، وكانت نفس الورقة (الخطبة) تتكرر في كل جمعة حتى كانت الورقة تبدو بالية مهلهلة، وفي كل جامع كان يجلس المخبرون الذين يقدمون تقاريرهم بعد أداء الجمعة عن خطبة الإمام وما حدث في الجامع بين المصلين، وعدد المصلين، وما إذا خرج الإمام بكلمة واحدة عن نص الورقة الصفراء، أو زار الجامع شخص غريب.

وكان تعيين رجال السلك الديني يتم عادة في إطار داخلي، أي أن القاضي قد يصبح مفتيا، وأن مؤدب الصبيان قد يصبح حزابا، وأن الحزاب قد يصبح إماما، بل وجدنا مؤذنا قد أصبح قاضيا، وقد يعين أحد المدرسين حزابا، وربما كان اللهاث وراء الوظائف لأسباب مادية، ولكن الدائرة تظل منغلقة على نفسها، سيما في النصف الأول من القرن الماضي، أي قبل تخريج دفعات من المدارس الشرعية - الفرنسية الثلاث.

<<  <  ج: ص:  >  >>