للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأينا إذن أن دور رجال السلك الديني محدود جدا، فلا المجلس العلمي ولا المفتي ولا الإمام كان قادرا على إصدار شيء دون الرجوع إلى السلطات الفرنسية، أما التعيينات في الوظائف الدينية الصغيرة، كالحزاب، والفراش، والمؤذن الخ .. فلا بد فيها من كتابة محضر ومراسلة مقننة تعرض فيها أسماء ثلاثة مرشحين، مع تبريرات محددة، كشغور المنصب بالوفاة أو الحج أو الهجرة، ثم يترك للسلطة المذكورة لكي تتخذ القرار الأخير، وأحيانا يعطي المفتي أو المجلس الأسماء على الترتيب في الاستحقاق والأولوية، وهذا كل اجتهاده، وقد يذكر الحالة المادية للمترشح، وكذلك الصلة بالمنصب كالمؤهل والعلاقة العائلية مع صاحب المنصب الشاغر، وقد لاحظنا أنه في حالة شغور منصب المفتي فإن المجلس يقترح أربعة أشخاص، مرتبة أيضا. (بهذه الحالة المترتبة عرفوهم، وبها وصفوهم)، وقد ختم أعضاء المجلس ذات مرة اقتراحهم بقولهم للمسؤول الفرنسي: (ونظرك أوسع، لأنك تعرف ما لا نعرف) (١).

استعمل الفرنسيون رجال السلك الديني في أغراضهم السياسية والاجتماعية أيضا، كما استعملوا رجال الطرق الصوفية فيما بعد، ولو استعملنا اللفظ على عمومه لقلنا إنهم استغلوا العلماء استغلالا فظيعا، كانوا لا يتناولون موضوعا يخص الجزائر إلا لجأوا إليهم في مؤلفاتهم وآرائهم ومع ذلك قلما يذكرونهم أو يعترفون لهم بالفضل، أما الإدارة فقد استغلت نفوذها عليهم وأسكتتهم أو أنطقتهم حين تشاء هي، وكانت تنعم على بعضهم بالأوسمة والنياشين والعضوية في المجالس واللجان والإرسال في المهمات الخاصة داخل الجزائر أو خارجها، ولا نريد هنا أن نتوسع في الموضوع، لأن لذلك مكانه من الكتاب (٢).


(١) المراسلة بتاريخ ١٨٤٨، وهي تتعلق باقتراح المفتي الحنفي الجديد، انظر أرشيف ايكس (فرنسا)، ٢٢ I ١.
(٢) انظر فصل الاستشراق والترجمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>