للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقليل من رجال السلك الديني من كان يحسن كتابة رسالة صحيحة. ونعني هنا المفتين والأئمة وليس المؤذنين والفراشين. إن المراسلات التي اطلعنا عليها قلما تجد فيها رسالة خالية من الأخطاء النحوية والإملائية، على قصر الرسالة، ولم نطلع لهؤلاء على أعمال أدبية أو شروح فقهية أو تقاييد لنحكم عليهم من خلالها، وقد علمنا أن عددا منهم كانوا أيضا ينتمون إلى الطرق الصوفية المعاصرة، فكانوا يأخذون ويعطون (إجازات) ضعيفة النسج أيضا، وعباراتها مكررة في الإجازات الأخرى وليس لهم فيها سوى النقل والحفظ، وقل من المفتين من اشتهر بمؤلف، باستثناء عدد قليل منهم مثل ابن الحفاف، وأبي القاسم الحفناوي، ومحمود كحول، ومحمد السعيد بن زكري، وابن الموهوب، واشتهر في وهران المفتي محمد بن عبد الرحمن، ولكن لم نطلع على بعض مؤلفاته، كما اشتهر الونوغي في أم السنام (الأصنام) الذي اشترك مع القطرانجي في الرد على مفتي اسطانبول، وبالجملة فإن السلك الديني كان ضعيف الثقافة رغم وجود أشخاص نادرين يؤكدون القاعدة ولا ينفونها.

وكانوا غير مستقلين حتى فيما يدخل في دائرة اختصاصهم المحددة. وذلك راجع، في نظرنا، إلى تضييق السلطات الفرنسية عليهم، فالمفتي القديري لم يستطع أن يبت في ظهور زوجة الحاج أحمد، باي قسنطينة، أمام المجلس بنفسها، ولذلك كتب يطلب رأي (سلطان الجزائر وعمالاتها)، وهو الحاكم العام عندئذ، المارشال بوجو، وأخبره أنه قد ثقل ذلك على أعضاء المجلس، فظهر لهم أن يخصصوا لها وقتا (لحرمتها وحرمة زوجها) ثم توقفوا عن ذلك إلى أن يأتيهم الأمر من الحاكم العام (إن أذنت لنا فعلنا وإلا فلا) (١). ولا شك أن ذلك يعني الميراث وما إليه.


(١) الرسالة بتاريخ ٢١ ابريل ١٨٥٢، أرشيف ايكس (فرنسا) ١١ H ١. كان أحمد باي متزوجا من عدة نساء، ولعل هذه المرأة هي التي ترجع إلى عائلة أولاد مقرآن، وقد وجدنا لها مراسلة إلى نابليون الثالث بعد ذلك، ضاعت لنا من بين الأوراق التي فقدناها في محفظتنا سنة ١٩٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>