النحيسة، ونتبرأ من التشيع لها ...) ثم نصحا الجزائريين بالصبر وعدم التهور، وعدم التشيع لألمانيا:(وعدم الاشتغال بالسياسة). ومسالمة (حكومتهم) الفرنسية، وعدم مشاركة الأتراك، لأن (خليفة المسلمين كان عليه أن يذب عنهم ويدافع عن الدين والمال والبدن، وإلا فهو غير مجتهد للمسلمين بل غاش لهم، إن تركيا في الدرك الأسفل من الضعف والاعتلال، والعجز والقصور والاختلال). أما الدولة الفرنسية، فهي ذات القوة والبأس، والعدل والإحسان والكرم.
والواقع أن هذه اللغة وهذا الموقف قد أكدا على ما قلناه من أن الإدارة الفرنسية كانت تستغل رجال السلك الديني، وهي بذلك تضعف من مركزهم في نظر المواطنين، وذلك أن هؤلاء قد وجدوا المتكلمين باسمهم في فئات أخرى، وتركوا هؤلاء المفتين والأئمة في غيهم يعمهون، يباركون أعمال المحتل وينصحون بالخضوع إليه والتسبيح بحمده، ويتدخلون في السياسة وينهون عنها مواطنيهم، ونحن نعلم أن هذه الفتاوى والنصائح قد تكون صادرة عن الإدارة الفرنسية نفسها، وأنه لا حول ولا قوة لهؤلاء الشيوخ في رفضها أو تعديلها، ولكننا لم نسمع عن أحد منهم أنه استقال من منصبه، فالواحد منهم يظل في وظيفه إلى أن يخرج منه إلى القبر، أو ما دام الفرنسيون راضين عنه.
وقد أخبرنا أوغسطين بيرك بكل صراحة أن بعض هؤلاء الموظفين كانوا من رجال المخابرات وكانوا يقدمون تقاريرهم إلى الشرطة، فوظيفتهم دينية إسلامية في الظاهر فقط، أما في الباطن فلهم دور آخر يلعبونه، ولذلك كان الفرنسيون يتشددون في اختيار الواحد منهم، وإذا عدنا إلى قائمة المفتين والأئمة الرسميين المأجورين (لأن هناك أئمة معينين غير مأجورين كما سبق) لوجدنا أن أغلبهم مروا بكل المراحل التي تجعلهم تحت مجهر الشرطة والمصالح السرية، من تلميذ في المدرسة، إلى موظف في جريدة المبشر، إلى تابع في إحدى مصالح الأهالي، إلى قاض أو باش عدل، قبل أن يعهد إليهم بالرتبة الدينية الصورية، وخلال ذلك كانت توضع لكل واحد منهم