للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(اللهم اعن فرنسا التي هي أمنا ونحن أبناؤها، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير) (١). وقد كان الفرنسيون في الماضي يمنعون رجال السلك الديني من التعرض (للسياسة) أو الحديث فيها، فهل لا يعتبرون هذا الموقف من رجال الدين من صميم السياسة؟.

ونفس الموقف اتخذه مفتيا العاصمة اللذان لم يذكرا اسمهما، وهما المفتي المالكي والمفتي الحنفي، فقد أصدرا أيضا فتواهما بعنوان (وصية) لنصح المسلمين الجزائريين بعدم اتباع شيطان الألمان الذي وسوس للدولة العثمانية فاستهواها فاتبعته، وطلبا من المسلمين الخضوع والطاعة لفرنسا ذات الباس الشديد والجيش الجرار وصاحبة النعم التي لا تحصى، ولولا الإطالة لأتينا على كل النص، ولكن حسبنا الآن منه هذه العبارات المعبرة عن مقصود المفتيين: (إن شيطان الألمان، بما له من الزور والبهتان، قد وسوس الدولة العثمانية واستهواها، وأضلها، وأغواها، وأصمها وأعماها، وخدعها بمكائده، وأوقعها في حبائله ومصائده، حتى مكرت مكرا كبارا، وأعلنت الحرب جهارا، على الدول العظام: فرنسا وروسيا وانكليزا، بهذا الغرور قد جاءت (الدولة العثمانية) شيئا فريا، وأضرت نفسها، وأهلكت جنسها، حيث لم تتكامل في المآل بل أسرعت، وعليه فلا تحصد إلا ما زرعت، وخصوصا إذا (إذ) خالفت قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا}. كما خالفت قوله تعالى أيضا: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} (٢).

وبعد ذلك أعلن المفتيان عن خضوعهما لفرنسا والإذعان لها، والإعراب لها عن (إخلاصنا وتعلقنا بأذيالها، ورغبتنا في الاستظلال تحت ظلالها. وننكر على تركيا غلطها الفاحش فيما أقدمت عليه من هذه الحرب


(١) النص الكامل في (مجلة العالم الإسلامي) R.M.M، ديسمبر ١٩١٤، ص ١٨٢.
(٢) نفس المصدر، ص ١٧٤، ١٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>