بأوقاف الجامع الكبير سنة ١٨٤٣، وكان المفتي الكبابطي قد عارض ذلك وغيره من الإجراءات الفرنسية، فكان مصيره النفي، ومن ثمة نرى أن الجامع الكبير بالعاصمة ظل في وضع استثنائي منذ الاحتلال، وكان يمكنه أن يلعب دورا استثنائيا أيضا في الحياة العلمية والدينية للبلاد لو أنه وجد علماء يقدرون ذلك ويعرفون مكانته ومكانتهم في التاريخ، ولكنه أصيب (بموظفين) خنعوا للضغط وطمعوا في المنصب، فكان حال الجامع كحال بقية المساجد (بدون استثناء)، وكان حالهم كحال بقية الموظفين في المساجد الأخرى.
ولا تظهر المكانة المعنوية للجامع الكبير في عدد الموظفين الذين يتقاضون أجورا من السلطات الفرنسية، ولكن في الدور العلمي والديني، وهو الدور الذي فقده منذ الاحتلال، ومع ذلك فإن الفرنسيين قد خصصوا لهذا الجامع عددا أكبر من غيره من الموظفين، فكان هؤلاء يشملون: المفتي، والإمام، والمدرس، والباش حزاب (رئيس القراء)، وستة حزابين من الدرجة الأولى، و ١٢ حزابا من الدرجة الثانية، وباش مؤذن وهو ناظر الجامع أو القيم عليه، وثلاثة مؤقتين، و ٩ مؤذنين و ٤ يسمون ناس الحضور، وهم، كما قلنا، أناس متعلمون (طلبة) مهمتهم قراءة صحيح البخاري، ونلاحظ هنا عدم ذكر الوكيل الذي كانت مهمته الإشراف على الأوقاف وتسييرها وحفظ مداخيلها، وهو وظيف لم يعد له ضرورة ما دامت الأوقاف قد دخلت في الإدارة المالية (الدومين) وأصبح المشرف داخل هذه الإدارة نفسها تأتيه السجلات والحسابات إلى مكتبه، كما لا نجد ذكرا هنا لقارئ أو قراء (تنبيه الأنام) الذي كان ضمن موظفي بعض المساجد، وقد ذكرت المصادر الفرنسية أن المدرس هو (مفسر القرآن)، وهذا يعني أن الدور المسنود للمدرس في الجامع الكبير خلال هذا العهد قد انحصر في الدرس الديني، وهو في الواقع درس في الفقه والتوحيد انطلاقا من آية أو نص من حديث، ولذلك قلنا إن الجامع الكبير الذي كان في الماضي يعج بالمدرسين الأحرار قد خصص له مدرس واحد - وأي مدرس؟ - ليلقي على العامة درسا