للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قسمت الجزائر خلال العشرينات، إلى ٩٥ منطقة دينية، كانت تضم ١٦٦ مسجدا رسميا وزاوية، وكان المفتي في الظاهر هو رئيس المنطقة الدينية (١). وكانت الدولة الفرنسية هي التي تسمى رجال الدين في المساجد على يد الجمعيات التي لا تمثل إلا نفسها.

هذه التبعية الدائمة لرجال الدين للإدارة هي التي أنزلتهم منازلهم الحقيقية في نظر الشعب، فقد فقدوا الثقة وأصبحوا لا يمثلون إلا أنفسهم والإدارة التي عينتهم، وكان ضعفهم العلمي والديني وبالا على السياسة الفرنسية نفسها، كما لاحظ أوغسطين بيرك وغيره، ويبدو أن رين كان راضيا بوضع رجال الدين الإسلامي عندما قال عن الأشخاص الذين توظفهم فرنسا بأنهم يخدمون قضيتها، فلم يكن يهم الإدارة الفرنسية مكانة المفتي أو الإمام أو المدرس بين قومه ولكن ما يمكن أن تجنيه منه هي، يقول رين: (لا نستغرب أن نجد أئمة يرضون بالأجر (الفرنسي) من أجل القيام بالشؤون الدينية، ونحن نجد منهم ما نريده. لكن جعل رجال الدين (موظفين) فذلك أمر كان يصدم المتعلمين المسلمين، لأن بعض المؤلفات الإسلامية أوصى أصحابها بعدم أخذ الأجر على الصلاة وتعليم القرآن والفقه، ذلك أن رجال الدين في العالم الإسلامي يتقاضون مداخيلهم من أوقاف الجامع الذي يخدمونه) (٢).

وفي آخر القرن الماضي عبر ديبون وكوبولاني عن رأي قريب من ذلك، مع الإلحاح على ضياع هيبة العلماء ورجال الدين بالنظر إلى هؤلاء الموظفين، إن قضاء السلطة الفرنسية مآرب أخرى من أموال الوقف جعل رجال الدين، في نظر هذين المؤلفين، لا يحصلون إلا على جزء ضئيل في شكل مرتبات من الدولة وليس من الجامع أو المؤسسة التي يخدمونها، ومن


(١) أحمد توفيق المدني (كتاب الجزائر) ٣٤٨، ٣٥٠. ورغم أن الزوايا كانت (حرة) أي غير داخلة في الهيئة الدينية، فإن الإدارة مع ذلك كانت تتدخل في تعيين المقدمين والشيوخ، وتتحكم في الزيارات ونحوها، انظر فصل الطرق الصوفية.
(٢) لويس رين (مرابطون ...) مرجع سابق، ص ٩، وكذلك كان الحال في العهد العثماني بالجزائر أيضا، إذ كانت الدولة لا تتدخل في أجور رجال الدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>