للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحلي الجذاب، ويتميز عن غيره من الحضر بالعمامة الكبيرة العالية، وكانت جلسة المحكمة معقودة في غرفة تزينها الزرابي فقط، والعمامة كانت أيضا هي لباس الخوجات (الكتاب)، وهي نفسها موجودة أيضا لدى الأئمة في المدن ولدى رجال الدين بصفة عامة، بمن فيهم المرابطون والطلبة داخل البلاد، وكان القاضي ابن جعدون يجلس على كرسي عال وسط طاولة بيضاوية الشكل، وأمامه نسخة مفتوحة من المصحف الشريف، وهي مجلدة ومذهبة، وعن يمينه وشماله في نفس الطاولة كان يجلس الخوجات الذين كانوا يحررون كل نازلة، ويكتبون بها الوثيقة التي تتعلق بالبيع أو غيره من أنواع المعاملات، ومن وقت لاخر كان الخوجات يهمسون بنصائحهم وآرائهم للقاضي في النوازل المهمة، ويقدم الشاوش كلا من المدعي والمدعي عليه إلى طاولة القاضي، أما إذا كانت صاحبة الدعوة امرأة، فإنها لا تدخل المحكمة وإنما تتكلم من خارجها في مكان مخصوص وتعرض قضيتها على القاضي من النافذة، وكان القاضي لا يتأثر بأية منازعات بل كان محافظا على هدوئه ووقاره التام، وكان عدد الخوجات حوالي ١٢، وهم ينوبون عن بعضهم البعض، وكان بعضهم رجالا كبار السن وخطهم الشيب، وهم بلحى كثيفة، وشعر أبيض وبشرة أصبحت مجعدة، بينما آخرون منهم ما يزالون في عنفوان الحياة (١).

وقد ترك الفرنسيون في بادئ الأمر المحاكم الإسلامية تعمل ولكن تحت نفوذهم، فلها النظر في كل المنازعات والأحكام غير الجنائية بين المسلمين، وكذلك فعلوا مع المحكمة اليهودية التي كانت تنظر في القضايا الخاصة باليهود، وأنشأوا محاكم خاصة بهم: مدنية وعسكرية، ومن هذه المحاكم ما هو ابتدائي وما هو استئنافي وتسمى الأخيرة بالمحكمة العليا، وهكذا فقد كان لكل دين من الأديان الثلاثة محاكمه، وفي البداية أيضا كانت المحكمة العليا (الفرنسية) تتكون من رئيس وخمسة قضاة، من بينهم مسلم ويهودي، فهي إلى حد ما محكمة مشتركة، ذلك أن من بين ما يقدم إليها


(١) بولسكي، (العلم المثلث). لندن، ١٨٥٤، ص ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>