للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معتدة من بيت الزوجية ومن أسرتها لتتزوج بأحد العسكريين الفرنحسيين، وقيل إنها اعتنقت المسيحية لتفر من حكم القضاة بإعادتها إلى أهلها حتى تقضي عدتها، وقد تولى العسكريون ورجال الدين الفرنسيون تعميدها وتهريبها إلى فرنسا، وبينما كانت المحكمة تنظر في أمرها دخل العسكريون الفرنسيون فاحتج القاضي والمفتي واستقالا، أما القاضي عبد العزيز فقد هاجر إلى المغرب، وأما المفتي الكبابطي فقد استرضاه الفرنسيون وتراجع عن استقالته، وقد عين الفرنسيون قاضيا جديدا وهو أحمد بن جعدون مكان القاضي الذي هاجر، إن الحادثة قد لا تكون مهمة في حد ذاتها ولكنها اكتسبت أهمية خاصة لعدة أسباب: تدخل الفرنسيين في استقلال القضاء، والعبث بالقيم والتعاليم الإسلامية التي لها ما تقول في حالة المرأة المعتدة، وتهريب الشخص موضوع النزل وتعميده حتى يخرج عن ربقة القضاء الإسلامي، وبالإضافة إلى ذلك فقد اكتسبت القضية بعدا سياسيا آخر وهو استقالة القاضي وهجرته، وتدخل الحاكم العام وحتى وزير الحرب في الموضوع، وظهور حركة احتجاج صاخبة في العاصمة في المحكمة وأمامها، وربما كانت هي الحركة الشعبية (١) الثانية من نوعها بعد الاحتجاج على هدم جامع السيدة سنة ١٨٣٢.

والقاضي الجديد وهو الشيخ أحمد بن جعدون، كان من عائلة دينية وعلمية محترمة خلال العهد العثماني، وقد تعرضنا لأسرته في غير هذا الجزء، ولدينا وصف لشخص أحمد بن جعدون ومحكمته في العهد الفرنسي قبل أن يفقد القضاة هيبتهم وصلاحياتهم، يقول بولسكي الذي وصف المحكمة الإسلامية قرب شارع باب الواد، إنها كانت مفتوحة للجمهور، ولها هيبتها، وكان القاضي المالكي (وهو أحمد بن جعدون) هو أكثر حرمة بين الجالسين، ومنهم المفتي الحنفي، وكان ابن جعدون كبير السن، هادئ الملامح، معتدلا، وقورا، عليه السمات الشرقية (الإسلامية) في مستواها الأعلى، وكان يبدو كأنه نبي، اكتملت رجولته ونبله، وكان يلبس الهندام


(١) عن هذه الحادثة انظر كتابنا (الحركة الوطنية). الجزء الأول، ص ٧٣ - ٧٤، واسم المرأة هو عائشة بنت محمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>