للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في ذلك، سواء من قرب منهم أو من بعد، وقد يشتكي المدعي إلى قاضي المدينة القريبة منه، ولكن أغلب أهل الريف كانوا يلجأون إلى المرابطين، أي رجال العلم والدين والصلاح المشتهرين بينهم، وهم ليسوا أصحاب الطرق الصوفية، بل فئة أخرى لها مكانتها الاجتماعية والدينية، ولها عادة زاوية ورثتها عن أحد الجدود، وقد تعرفنا إلى ذلك في غير هذا المكان (١). إن هؤلاء المرابطين هم الذين كانوا يحكمون بين الناس بالعدل ويصلحون ذات البين، ويجعلون المجتمع يعيش في أمن وانسجام، وفي العهد الفرنسي أعطيت الصلاحيات في القضاء في المناطق الريفية إلى القياد والباشغوات والمكاتب العربية، ثم تولتها المحاكم الفرنسية التي سنتحدث عنها (٢).

وقد تطور الموقف من القضاء الإسلامي بتطور الاحتلال نفسه، وخلافا للعاصمة، ووهران وعنابة وبجاية ومستغانم التي احتلت منذ البداية، فإن المدن والجهات الأخرى قد وضعت تحت سلطة عسكرية إدارية تسمى المكاتب العربية، وفي كل مكتب عربي عين أحد القضاة المسلمين وبعض المساعدين له، وهكذا تعين في هذه الوظيفة السامية والخطيرة من هب ودب، فيهم طبعا الصالحون، ولكن أغلبهم كانوا طالحين، ويتميزون بالمغامرة والانتهازية، وكانوا قليلي العلم لانعدام مصادره ومدرسيه، وسنتعرض إلى أمثلة منهم.

ومن الطبيعي أن تكون العاصمة هي التي شهدت مختلف التجارب في القضاء، وفي غيره، وقد سبق القول إن الفرنسيين نفوا القاضي الحنفي، كما نفوا المفتي سنة ١٨٣٠، وقد وجدوا من عينوه في مكانهما، وكان القاضي المالكي هو عبد العزيز والمفتي هو مصطفى الكبابطي، وحدث أن وقعت مشكلة تدخل في صميم القضاء الإسلامي سنة ١٨٣٤، وهي هروب امرأة


(١) انظر فصل الطرق الصوفية.
(٢) عن هذه الخلفيات انظر السجل (طابلو)، سنة ١٨٤٠، ص ٣٥٧، وكذلك رسالة الماجستير للباحث بوعلام بلقاسمي (السياسة الاستعمارية نحو الأرض). مخطوط ص ٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>