كانت سلطة القاضي غير محدودة فيما مضى، فهو مسؤول فقط أمام الله وأمام ضميره، وأحكامه غير قابلة للطعن إلا إذا رأى عرض الصعب منها على المجلس العلمي الذي كان يعقد دورة أسبوعية، وكانت أحكام القاضي نافذة وسريعة وبدون مقابل، وقلما يحكم بالسجن لأن السجن يعطل الحياة ويحرم العائلة من عضو تسترزق منه، كما أنه قلما يحكم بالغرامة لخزينة الدولة ولكنه يجكم بالتعويض للمتضرر، وقد يحكم بالتعزير والضرب، أما حكم الموت فهو نادر، ولكن تنفيذه أو العفو فيه من شان الحاكم نفسه، وكان القاضي محل تقدير وهيبة عند الجميع، فهو يمثل الدين كما يمثل السلطة الزمنية، وتفترض فيه شروط تحدثت عنها المؤلفات المختصة، أبرزها العلم بالأحكام والكفاءة والمروءة والنزاهة والخوف من الله.
وكان القضاة متوفرين في المدن وفي الأرياف، ففي المدن الرئيسية قاضيان مالكي وحنفي، إلى جانب القاضي بالمذهب الإباضي، ولا حدود في اختصاصهم، فهم يحكمون في الأحوال الشخصية وفي النوازل التجارية والمعاملات وفي مختلف المنازعات، وكذلك يحكمون في الجنايات، ويساعد القاضي نائب أو أكثر وعدد من الكتاب أو الخوجات، ومهمتهم هي تسجيل الأحكام، ويحضر المحكمة أيضا الشهود، كما تكون المحكمة مفتوحة والأحكام علنية، ولا يتقاضى القاضي أجرة من المتخاصمين وإنما يأخذ راتبه من بيت المال، وبالإضافة إلى ذلك كان هناك مجلس قضائي أو علمي، ينظر في الحالات المستعصية على القضاة، ويعقد دورة أسبوعية يوم الجمعة، بعد الصلاة، ويحضر الجلسة المفتيان والقاضيان والعدول والنظار، ويكون المجلس برئاسة الحاكم نفسه أو من ينوب عنه، وأعضاء هذا المجلس يشكلون (هيئة العلماء) في كل مدينة رئيسية، وقد أبقى الفرنسيون على هذا النموذج في المرحلة الأولى، وكانت قصيرة.
وهناك قضاة أيضا لسكان الريف، لهم نفس الصلاحيات، ولكن ليس لهم مجلس يرجعون إليه، فإذا عرض لهم ما يتوقفون فيه كاتبوا العلماء