الازدواجية في القضاء - المحاكم الفرنسية إلى جانب المحاكم الإسلامية - يتماشى مع الازدواجية في التعليم حيث أنشأوا أيضا المدرسة الفرنسية إلى جانب المسجد والزاوية ليفرضوا على الناس المقارنة من جهة والرقابة من جهة أخرى، وما لم يستسغه الفرنسيون هو أن المسلمين لا يستأنفون الأحكام في المحكمة العليا الفرنسية، بل كانوا يقبلون راضين بما يصدره القاضي المسلم في قضيتهم، ولاحظوا أن استئنافين فقط حدثا سنة ١٨٤٠، وكان القضاة الفرنسيون لا يثقون في القضاة المسلمين، فكانوا يراقبون أحكامهم، كما لاحظوا أن السكان يفضلون أحكام القضاة المسلمين لأسباب دينية واجتماعية، وهذا لا يرضى طموحات الفرنسيين في السيطرة والتوغل إلى النفوس والألسنة والعقول، وكان السكان يفضلون قضاتهم لأن هناك حياة خاصة لا يطلع عليها غير المسلم، بالإضافة إلى العامل الديني، ولكن الفرنسيين يعترفون أن القضاء الإسلامي لا يكلف المتنازعين مالا كثيرا وأنه سريع، بخلاف القضاء الفرنسي الذي يتميز بالبطء وارتفاع التكاليف (١).
لقد رأت السلطة الفرنسية أن أحكام القضاة المسلمين لا تتماشى مع قوة دفع الاحتلال، سيما بعد تعيين المارشال بوجو سنة ١٨٤١ ومنحه سلطات واسعة لسحق المقاومة مهما كانت الوسائل، وقد اتهموا القضاة المسلمين بالتواطؤ السياسي مع المقاومة وعدم إدخال الفرنسيين في الموضوع، لذلك صدرت بين ١٨٤١ و ١٨٥٤ مجموعة من الإجراءات والمراسيم أدت في النهاية إلى انتزاع سلطة القاضي المسلم وجعله مجرد أداة منفذة وتحت رقابة القضاة الفرنسيين، فالمرسوم الملكي الصادر في ٢٨ فبراير ١٨٤١ انتزع من القضاة المسلمين حق الحكم في الجنايات والجنح، كما فرض استئناف الأحكام في المحاكم الفرنسية، وأضاف مرسوم ٢٦ سبتمبر ١٨٤٢ قيودا جديدة على القاضي المسلم، فقد أصبح في استطاعة المحاكم الفرنسية النظر في القضايا التي تخص المسلمين أيضا وأن تصدر هي الأحكام بشأنها، فكان ذلك بداية التعسف في تطبيق القانون غير الإسلامي على المسلمين، فإذا كانت المحاكم الفرنسية تطبق القانون الفرنسي على