للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجنائي محل القصاص وغيره في القرآن دون أن تحدث أية معارضة من الأهالي، أما الحدود المدنية فقد بقيت بأيدي القضاة والمسلمين يطبقون عليها مبادئ الشريعة الإسلامية، مع بعض التحفظ، لأن هؤلاء القضاة كانوا يطبقون الشريعة دون المساس بشعور أحد، ولكن أحكامهم كانت مستغلة من الشخصيات الدينية ضد فرنسا (بصفة صماء) (١). إن الجزائريين في الواقع قد عارضوا تجاوز الأحكام القرآنية ولكن بطريقتهم، ففي عهد بوجو الظلوم كانت المقاومة على أشدها في سيف الأمير عبد القادر وغيره، وكان ذلك أبلغ معارضة لفرض القوانين الفرنسية وكل مظاهر الاحتلال الغاشم.

حقيقة أن مرسوم ٢٦ سبتمبر ١٨٤٢ قد أبقى على المحاكم الإسلامية وكلف الحاكم العام بتسمية القضاة والمفتين، وخصص لهؤلاء وأولئك رواتب من الحكومة الفرنسية، وبناء عليه أيضا فإن القضاة المسلمين لم يعد لهم صلاحية النظر في المسائل الجنائية، ولم يبق لهم إلا المسائل المدنية والتجارية الخاصة بالمسلمين، ولكن أحكامهم غير مطلقة وغير نهائية إذ يمكن للمتنازعين استئنافها لدى المحاكم الفرنسية، وأصبح القاضي المسلم يجمع بين صفة القاضي وصفة الموثق، وبإمكانه تحرير العقود والاتفاقات الخاصة بالمسلمين، وفي حالة عدم وجود موثق فرنسي على مسافة ٢٠ كلم، يمكن للقاضي أن يحرر قضيته وحكمه في الأمور التي يكون فيها المسلم طرفا، وتنص المادة ٤٦ من المرسوم المذكور على أن القاضي يسجل أحكامه في جميع القضايا التي حكم فيها في سجل خاص ثم يسلمه كل شهر للتأشيرة عليه من قبل الوكيل العام الفرنسي.

ويبدو أن المعارضة كانت قوية لهذا المرسوم على خلاف ما يزعم رين، حتى لدى القضاة أنفسهم، فالمصادر الفرنسية تذكر أن القضاة تماطلوا في تطبيق المرسوم، إذ ظل إلى سنة ١٨٤٦ دون تطبيق إلا في حدود ضيقة


(١) رين (مرابطون). مرجع سابق، ص ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>