ومن قضاة الأمير عبد القادر المعروفين الشيخ عدة بن غلام الله، وقد أشرنا إليه في فصل الطرق الصوفية، صاذا رجعنا إلى نماذج من قضاة الأمير وجدناهم في أغلبهم من أعيان العلماء والفقهاء، ولم يتسامح الأمير مع القضاة المنحرفين عن الخط الذي حدده لأن وظيفتهم سياسية وشرعية في آن واحد، ومن القضاة الذين عوقبوا في عهد الأمير سيدي أحمد بن الطاهر البطيوي، فقد ثبت للأمير أنه كان يتعامل مع العدو، فاقترب من بطيوة واستدعاه، وقيل إنه أمنه، ثم حمله معه إلى معسكر حيث حاكمه مجلس، وفي غياب الأمير نفذ فيه حكم القتل، ولعل الأمير كان يظن أن الحكم ضد القاضي سيكون السجن فقط.
بينما كان القضاة في العاصمة وغيرها يجرون القضاء في بادئ الأمر طبقا لأحكام الشريعة، فيحرمون الفرنسيين من المال ومن الاطلاع على نوعية المشاكل، ومن ثمة يبعدونهم عن أمور المسلمين الخاصة، وقد استغرب أحد التقارير المكتوب في حدود سنة ١٨٤٣ كيف صدرت أحكام البراعة بالجملة من القضاة المسلمين، كما أن المجلس القضائي لم تسجل فيه أية قضية (كان للمجلس دور الاستئناف تقريبا). فمن بين ١، ٢٠٩ من القضايا المدنية حل القاضي المالكي في مدينة الجزائر منها ٩٩١ قضية عن طريق التراضي، ومن بين ١، ٨٦٥ قضية مدنية عرضت على القاضي الحنفي: حكم في ٨ منها فقط بالتراضي، أما في وهران فالقاضي حكم في ٥٢ قضية جنائية، ومن بين ١٠٧ قضايا مدنية حكم في ٣٢ منها بالتراضي، وفي عنابة أصدر القاضي ٢٦ حكما جنائيا، و ١٦٩ حكما مدنيا منه ١٦٨ بالتراضي (كلها تقريبا). وفي سكيكدة أصدر القاضي ٥ أحكام جنائية و ٩٣ حكما مدنيا و ٧٤٤ حكما بالتراضي (١). يقول لويس رين بهذا الصدد: إن فرنسا قد أحلت منذ ١٨٤٢، قانونها
(١) السجل (طابلو) سنة ١٨٤٣ - ١٨٤٤، ص ٢٩٠، أما (السجل) لسنة ١٨٤٤ - ١٨٤٥ فلم يذكر أي إحصاء لأحكام المحاكم الإسلامية، رغم أنه جاء بإحصاءات ضافية عن الأحكام الصادرة من المحاكم الأخرى، انظر ص ٢٧١ - ٢٨٦.