للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يكن كل الأعيان والقضاة متفقين على هذه الصيغة في الطلب من التخلص من آثار مرسوم ١٨٨٦ على القضاء الإسلامي، فقد كان هناك المطالبون بإلغائه تماما وهناك المناورون، كما رأينا، ومن المطالبين بإلغائه تماما حميدة بن باديس الذي قدم عريضة وحده في ذلك، وقد أحس أن زملاءه المستشارين إنما يريدون المحافظة على الذاتية الإسلامية فقط، وكانوا في نظره يخادعون أنفسهم، لأن هذه الذاتية ستكون فارغة إذا لم تكن وراءها سلطة سياسية، كما أن حميدة بن باديس كان يعرف أنه كلما توافق رأي المستوطنين والمستشارين المسلمين، فإن الحصول على نتيجة مشرفة تكون عادة نادرة.

وقد فشل الطرفان الجزائريان، أصحاب العريضة من المستشارين وابن باديس الذي انفرد عنهم، كان زملاؤه من خريجي المدرسة الشرعية - الفرنسية، وهو ليس منهم، وكان والده (المكي) يعتبرهم (متعاونين) مع السلطات الفرنسية، ورأى حميدة الآن أن على الجزائريين أن يقوموا بعمل أكبر من مجرد الوصول إلى مساومات مع شيوخ البلديات الفرنسيين، كما ظهر في العريضة السالفة، ورأى ابن باديس أيضا أن السلطة الفرنسية تعرف كيف تجر زعماء الدين وأنصار الذاتية إلى الوسط، وتضيع منهم الفرصة، كما حدث أثناء تقديم العريضة، وفي عدة مناسبات سابقة ولاحقة، ولذلك ترك ابن باديس سنة ١٨٨٧ الميدان لزميله بوشناق، وكان في قسنطينة وما حولها أيضا شخصيات أخرى ذات وزن، من أمثال عبد القادر المجاوي والسعيد بن شتاح، وابن الفاسي، وسيلعب هؤلاء دورا ضاغطا بالتدرج، سيما خلال التسعينات (١).


= المداخيل إلى ميزانية الدولة، وفصلوا بين دور الإمام ودور القاضي ودور المدرس، وكلها كانت تخدم الدين، فكيف يقولون إن الدين بقي على ما هو عليه؟.
(١) كريستلو، (المحاكم ..). ص ٢٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>