للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشروط، من بينها التخلي عن الأحوال الشخصية الإسلامية، والدخول تحت طائلة القانون الفرنسي في قضايا الزواج والطلاق والإرث، وقد فسر المعاصرون ذلك بأنه تخل كامل عن العقيدة الإسلامية وأنه ارتداد عن الدين، وإذا كانت الجماهير لا تفهم ذلك على حقيقته فإن القضاة ورجال الدين عموما عارضوا التجنس إلا القليل منهم، ويدخل ذلك في المحافظة على الهوية الوطنية والعقيدة الإسلامية، فالتمسك بالتعاليم الإسلامية كان مظهرا من مظاهر المقاومة للاحتلال، وقد عرفنا أن المكي بن باديس وابنه حميدة قد عارضا التجنس بقوة واعتبر المكي أن الاعتداء على الدين أقوى أنواع الاعتداء على الإنسان، (وقد التزم حفيده عبد الحميد بهذا المبدأ فيما بعد) (١). وكان بوشناق والمجاوي من المعارضين أيضا، رغم أن الأخير لم يكن من رجال القضاء وإنما كان أستاذا لكثير منهم في مدرستي قسنطينة والعاصمة.

غير أن السلطات الفرنسية كانت تجد من تتكئ عليه دائما لضرب وحدة المقاومة، ومن ذلك تأييد علي بن إسماعيل والهاشمي بن الونيس (بلونيس) للتجنس، وكلاهما كان في منصب قضائي بارز، والأول كان يشغل أيضا وظيفة مستشار بلدي في مدينة الجزائر سنة ١٨٨٧، وفي موقعه ذلك دافع عن التجنس، ولكنه هوجم من زملائه المنتجين برسالة نشرتها جريدة (الأخبار) الفرنسية، أما الهاشمي بن الونيس فقد كان يشغل وظيفة مدرس (أستاذ محاضر) في اللهجة البربرية بالمدرسة العليا للاداب منذ إنشائها سنة ١٨٧٩ - ١٨٨٠، كما كان يشغل وظيفة (مساعد) في محكمة الاستئناف بالعاصمة، وكان عندئذ مرشحا لوظيفة مستشار في المجلس


(١) أصدر الشيخ عبد الحميد بن باديس فتواه المشهورة ضد التجنس سنة ١٩٣٨ فأثارت رعب الفرنسيين ولم يغفروا له ذلك الموقف الذي كان له أثر كبير لا في الجزائر وحسب ولكن في تونس ومراكش أيضا، سيما أن الفتوى صدرت عشية الحرب العالمية الثانية حين كانت فرنسا تبذل المساعي للحصول على ولاء الجزائريين (وجميع مسلمي المغرب العربي) لها عالميا.

<<  <  ج: ص:  >  >>