الصوفية، فقد ولد أحمد بوادي الحمام قرب معسكر، سنة ١٢٥٢ (١٨٣٦). وأدت المقاومة الوطنية إلى بعثرة الأسرة، إذ كان أبناء بو طالب مختلفين مع ابن عمهم، الأمير عبد القادر، فهاجر محمد بو طالب والد أحمد المجاهد، إلى طنجة التي أصبحت مأوى لعدد من المهاجرين الجزائريين، ثم انتقل والده إلى فاس، مدينة العلم، وقد تثقف أحمد على يد شيوخ ذكرهم الحفناوي في ترجمته له (١). كما توجه مع أبيه إلى تونس وأخذ بها عدة علوم على شيوخ الزيتونة، وكانت المصاهرة بين عائلتي الأمير وعائلة أبي طالب، فقد تزوج والد أحمد المجاهد من ابنة أخ الأمير، وهو محمد السعيد، ولذلك وجدنا أحمد المجاهد مع جده في الشام.
تولت أسرة أبي طالب وظيفة القضاء للفرنسيين مبكرا، بدأ ذلك أحمد بن علي بن أبي طالب، عم أحمد المجاهد، الذي تولى القضاء في سطيف، وبعد استتباب الأمور في الجزائر رجع إليها عدد من الذين هاجروا منها أمثال أحمد المجاهد ووالده، وتولوا بها الوظائف للفرنسيين، ولعل ذلك كان بتحريض وتدخل من الأمير نفسه، بعد فشل المقاومة، تولى أبوه محمد بوطالب القضاء في سطيف ثم قسنطينة، وعندما خلا منصبه في سطيف تولاه ابنه الذي كان قبل ذلك في مستغانم، ثم انتقل من سطيف إلى الأربعاء، قرب العاصمة، وكان وجود والده في قسنطينة ووجوده هو بسطيف قد جعله قريبا أيضا من عبد القادر المجاوي الذي جاء من الغرب (تلمسان). وهو صهرهم، وكانوا جميعا في طنجة وفاس قبل ذلك، ثم حلوا جميعا بولاية قسنطينة.
كانت صلة أحمد المجاهد بالتصوف قوية أيضا، فقد كان جده عبد القادر بو طالب درقاويا، وعارض الأمير عبد القادر لأسباب تبدو صوفية، وقد عاش عبد القادر بو طالب خلال الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، وأثناء وجود أحمد المجاهد في الشام تعمق في التصوف أيضا، فقد
(١) الحفناوي (تعريف الخلف برجال السلف). ج ٢، ص ٧٢.