كان جده، محمد السعيد قادري الطريقة، وهو الذي كان قد حافظ على الزاوية بالقيطنة أثناء كفاح أخيه الأمير عبد القادر، وبقي على ذلك بعد الهجرة أيضا، وكان محمد المرتضى بن محمد السعيد قد واصل طريقة والده محمد السعيد وجده محيي الدين، وانتقل بالزاوية إلى بيروت، كما عرفنا في فصل الطرق الصوفية، وكان أحمد المجاهد قد أخذ العلم والتصوف على كليهما (محمد السعيد ومحمد المرتضى) أثناء وجوده بالشام خلال الستينات، وبعد أن حل بسطيف وقسنطينة يبدو أنه تقرب من الطريقة الحنصالية التي كانت سائدة هناك، وكذلك في العلمة، وقد عرفنا أن الدرقاوية والحنصالية متفرعتان عن الشاذلية، ووجد بعض الدارسين أن أتباع الحنصالية كانوا فقط حول مدينة معسكر، فيما عدا منطقة قسنطينة، وكان شيخ الحنصالية عندئذ في قسنطينة هو أحمد المبارك الذي تولى التدريس والقضاء في العهد الفرنسي أيضا.
إن هذه الصلات الصوفية والعلمية والعائلية قد جعلت أحمد المجاهد من الشخصيات البارزة ليس في القضاء فحسب ولكن في التأليف أيضاوفي قضايا الوقت، فهو صهر عبد القادر المجاوي الذي كان في قسنطينة يساهم في تنوير الأفكار ويبث العلم ويخرج القضاة من المدرسة الكتانية ثم المدرسة الشرعية - الفرنسية، وتنطبق على هذه الأسرة مقولة الشاعر (وكل غريب للغريب نسيب). فكلهم اقتلعوا من الجهة الغربية وزرعوا في الجهة الشرقية، وقد نشط قلم أحمد المجاهد في سطيف، فألف بعض التقاييد، سنعرض إليها في جزء آخر، كما ساهم في المهاترات التي حدثت بين المفتي علي بن الحفاف ومحمد المصطفى المشرفي حول مسألة خلافية تتعلق برمضان، وقد انتصر أحمد المجاهد لابن الحفاف، كما عرفنا، وعندما انتقل للعمل في الأربعاء تمكن من الاتصال بعلماء العاصمة أمثال حميدة العمالي وابن الحفاف، وأخذ عنهما، وقد حضر دروس الأول وأخذ التجويد والتصوف على الثاني.
توفي أحمد المجاهد في سطيف التي جعلها دار إقامة والتي تذكره بجو معسكر، سنة ١٣٠٨ (١٨٩٠). ودفن بضريح الشيخ سيدي سعيد الزراوي.