للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العثمانيون خلاله يجوبون البحر الأبيض والمحيط الأطلسي وبحر الشمال، ووصلوا بمغامراتهم ومطارداتهم لأعدائهم إلى شواطئ إفريقية الغربية وجزر الكناري وشواطئ إنكلترا وشمال أوروبا بالإضافة إلى إيسلاندا (١). ولعلهم قد وصلوا إلى ما هو أبعد من ذلك، غير أن الوثائق لا تساعدنا الآن. وكان هذا الجهاد موجها ضد كل الدول المسيحية التي لا تعقد معاهدة صداقة ووئام مع الجزائر. ويقتضي ذلك مطاردة سفن العدو في البحر والاستيلاء على ما فيها من غنائم، وأخذ ملاحيها وركابها أسرى إلى الجزائر انتظارا للفدية أو البيع في سوق الرقيق. وقد امتلأت خلال القرن العاشر والحادي عشر دور الجزائر ومحلاتها بهؤلاء الأسرى الذين كبا بهم الحظ. وقد اشتهر من أبطال الجهاد البحري الأخوان بربروس ومراد رايس وابن الحاج موسى وابن مبارك وحميدو وعلي البوزريعي. وقد أدى حماس العثمانيين للجهاد البحري ومطاردة خصومهم في عقر دارهم إلى مساندة الجزائريين لهم في ذلك والعمل معهم في سفنهم والتحالف معهم ضد العدو المشترك. كما أن سكان الشواطيء الجزائرية كانوا يأمرون بدورهم من وقع في قبضتهم من العدو ويسلمونهم للسلطة. فهناك إذن معركة واحدة مستمرة اشترك فيها العثمانيون والجزائريون على السواء. وقد كانت البابوية ودول أوروبا تمارس نفس المعاملة على السفن الجزائرية والإسلامية عامة.

أما النوع الثاني من الجهاد فهو الجهاد البري الخاص والموجه ضد إسبانيا بالذات. ذلك أن إسبانيا، كما عرفنا، قد أجبرت على الخروج من جميع النقط الساحلية التي احتلتها في الجزائر ما عدا وهران ومرساها الكبير. وكان الإسبان قد دعموا هناك وجودهم بالتحصينات والعدد والعدة. وكانوا بعد أن فشلوا في تحالفم مع آخر ملوك بني زيان واستيلاء العثمانيين على


(١) انظر دراسة بيرنارد لويس من حملة مراد رايس إلى إيسلاندا (في مجلة الغرب الإسلامي) عدد ١٥، ١٦ سنة ١٩٧٣، ١٣٩ - ١٤٤. وقد ترجمناها إلى العربية. وعن حملة أخرى له إلى جزر الكناري انظر دراستي عن كتاب مورقن في كتاب (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر)، الجزائر ١٩٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>